وثانيها أنه أراد أن ذلك لا يكون أبدا من حيث علقه بمشية الله تعالى، لما كان معلوما أنه لا يشاؤه، وكل أمر علق بما لا يكون فقد نفي كونه على أبعد الوجوه، و تجري الآية مجرى قوله تعالى: " ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " وثالثها ما ذكره قطرب من أن في الكلام تقديما وتأخيرا وإن الاستثناء من الكفار وقع لا من شعيب فكأنه تعالى قال - حاكيا عن الكفار -: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا إلا أن يشاء الله أن تعود في ملتنا، ثم قال حاكيا عن شعيب: وما يكون لنا أن نعود فيها على كل حال.
ورابعها أن تعود الهاء التي في قوله تعالى: " فيها " إلى القرية لا إلى الملة لان ذكر القرية قد تقدم كما تقدم ذكر الملة، ويكون تلخيص الكلام: إنا سنخرج من قريتكم ولا نعود فيها إلا أن يشاء الله بما ينجزه لنا من الوعد في الاظهار عليكم والظفر بكم فنعود إليها.
وخامسها أن يكون المعنى: إلا أن يشاء الله أن يردكم إلى الحق فنكون جميعا على ملة واحدة غير مختلفة، لأنه لما قال تعالى حاكيا عنهم: " أو لتعودن في ملتنا " كان معناه أو لتكونن على ملة واحدة غير مختلفة فحسن أن يقول من بعد: إلا أن يشاء الله أن يجمعكم معنا على ملة واحدة. فإن قيل: الاستثناء بالمشية إنما كان بعد قوله: وما يكون لنا أن نعود فيها فكأنه قال: ليس نعود فيها الا أن يشاء الله فكيف يصح هذا الجواب؟
قلنا: هو كذلك إلا أنه لما كان معنى أن نعود فيها هو أن تصير ملتنا واحدة غير