بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ١٣٥
ثم اعلم أن جميع الوجوه التي حكيناها في هذه الآية إلا جواب التقديم والتأخير مبنية على أن الحياة الدنيا ظرف للعذاب، وما يحتاج عندنا إلى جميع ما تكلفوه إذا لم نجعل الحياة ظرفا للعذاب، بل جعلناها ظرفا للفعل الواقع بالأموال والأولاد المتعلق بهما، لأنا قد علمنا أولا أن قوله: ليعذبهم بها لابد من الانصراف عن ظاهره لان الأموال والأولاد أنفسهما لا تكون عذابا، فالمراد على سائر وجوه التأويل الفعل المتعلق بها والمضاف إليها، سواء كان إنفاقها، أو المصيبة بها والغم عليها، أو إباحة غنيمتها و إخراجها عن أيدي مالكيها، وكان تقدير الآية: إنما يريد الله ليعذبهم بكذا وكذا مما يتعلق بأموالهم وأولادهم ويتصل بها، وإذا صح هذا جاز أن تكون الحياة الدنيا ظرفا لأفعالهم القبيحة في أموالهم وأولادهم التي تغضب الله وتسخطه كإنفاقهم الأموال في وجوه المعاصي، وحملهم الأولاد على الكفر، فتقدير الكلام: إنما يريد الله ليعذبهم بفعلهم في أموالهم وأولادهم الواقع ذلك في الحياة الدنيا.
وأما قوله تعالى: " وتزهق أنفسهم وهم كافرون " فمعنا تبطل وتخرج أي أنهم يموتون على الكفر، ليس يجب إذا كان مريدا لان تزهق أنفسهم وهم على هذه الحال أن يريد الحال نفسها على ما ظنوه. (1) وقد ذكر في ذلك وجه آخر وهو أن لا يكون قوله: وهم كافرون، حالا لزهوق أنفسهم بل يكون كأنه كلام مستأنف، و التقدير فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم مع ذلك كله كافرون صائرون إلى النار، وتكون الفائدة أنهم مع عذاب الدنيا قد اجتمع عليهم عذاب الآخرة، ويكون معنى تزهق أنفسهم المشقة الشديدة والكلفة الصعبة.
أقول: قد مضى بعض الأخبار في معنى القدر والقضاء في باب البداء.

(1) قال: لان الواحد منا قد يأمر غيره ويريد منه أن يقاتل أهل البغي وهم محاربون، ولا يقاتلهم وهم منهزمون، ولا يكون مريدا لحرب أهل البغي للمؤمنين وان أراد قتلهم على هذه الحالة، وكذلك قد يقول لغلامه: أريد أن تواظب على المصير إلى في السجن وأنا محبوس، وللطبيب: صرالى ولازمني وأنا مريض وهو لا يريد المرض ولا الحبس، وإن كان قد أراد ما هو متعلق بهاتين الحالتين.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331