بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ١٣٣
قوله: " ماتوا وهم كافرون " فظاهره يقتضي أنه أراد كفرهم من حيث أراد أن تزهق أنفسهم في حال كفرهم لان القائل إذا قال: أريد أن يلقاني فلان وهو لابس; أو على صفة كذا وكذا فالظاهر أنه أراد كونه على هذه الصفة.
قلنا: أما التعذيب بالأموال والأولاد ففيه وجوه:
أحدها ما روي عن ابن عباس وقتادة وهو أن يكون في الكلام تقديم وتأخير، ويكون التقدير فلا تعجبك يا محمد! ولا تعجب المؤمنين معك أموال هؤلاء الكفار و المنافقين وأولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عقوبة لهم على منعهم حقوقها; واستشهد على ذلك بقوله تعالى: " اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون " (1) فالمعنى: فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم.
وثانيها أن يكون المعنى: ما جعله للمؤمنين من قتالهم وغنيمة أموالهم وسبي أولادهم واسترقاقهم، وفي ذلك لا محالة إيلام لهم واستخفاف بهم. (2) وثالثها أن يكون المراد بتعذيبهم بذلك كل ما يدخله في الدنيا عليهم من العموم والمصائب بأموالهم وأولادهم التي هي لهؤلاء الكفار والمنافقين عقاب وجزاء، وللمؤمنين محنة وجالبة للنفع والعوض، ويجوز أيضا أن يراد به ما ينذر به الكافر - قبل موته وعند

(١) النمل: ٢٨.
(2) قال بعد ذلك: وإنما أراد الله تعالى بذلك إعلام نبيه صلى الله عليه وآله والمؤمنين أنه لم يرزق الكفار الأموال والأولاد ولم يبقها في أيديهم كرامة لهم ورضى عنهم، بل للمصلحة الداعية إلى ذلك، وأنهم مع هذه الحالة معذبون بهذه النعم من الوجه الذي ذكرناه، فلا يجب أن يغبطوا بها ويحسدوا عليها، إذ كانت هذه عاجلتهم، والعقاب الأليم آجلتهم، وهذا جواب أبى على الجبائي وقد طعن عليه بعض من لا تأمل له فقال: كيف يصح هذا التأويل مع أنا نجد كثيرا من الكفار لا تنالهم أيدي المسلمين، ولا يقدرون على غنيمة أموالهم، ونجد أهل الكتاب أيضا خارجين عن هذه الجملة، لمكان الذمة والعهد؟ وليس هذا الاعتراض بشئ، لأنه لا يمتنع أن تختص الآية بالكفار الذين لا ذمة لهم ولا عهد ممن أوجب الله تعالى محاربته، فاما الذين هم بحيث لا تنالهم الأيدي، أو هم من القوة على حد لا يتم معه غنيمة أموالهم فلا يقدح الاعتراض بهم في هذا الجواب، لأنهم ممن أراد الله أن يسبى ويغنم ويجاهد ويغلب، وان لم يقع ذلك، وليس في ارتفاعه بالتعذر دلالة على أنه غير مراد. انتهى ج 2 ص 153.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331