بوجوب الرضا به من حيث إنه فعله، وعدم الرضا به من حيث الكسب لبطلان الكسب أولا; وثانيا نقول: إن كان كون الكفر كسبا بقضائه تعالى وقدره وجب الرضا به من حيث هو كسب، وهو خلاف قولكم وإن لم يكن بقضاء وقدر بطل إسناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر انتهى.
وقال شارح المواقف: اعلم أن قضاء الله عند الأشاعرة هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال، وقدره إيجاده إياها على وجه مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها، وأما عند الفلاسفة فالقضاء عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام، وهو المسمى عندهم بالعناية التي هي مبدء لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العيني بأسبابها على الوجه الذي تقرر في القضاء والمعتزلة ينكرون القضاء والقدر في الأفعال الاختيارية الصادرة عن العباد، ويثبتون علمه تعالى بهذه الافعال، ولا يسندون وجودها إلى ذلك العلم، بل إلى اختيار العباد، وقدرتهم انتهى.
وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الغرر والدرر: إن قال قائل: ما تأويل قوله تعالى: " وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون " (1) فظاهر هذا الكلام يدل على أن الايمان إنما كان لهم فعله بإذنه وأمره وليس هذا مذهبكم، فإن حمل الاذن ههنا على الإرادة اقتضى أن من لم يقع منه الايمان لم يرد الله تعالى منه وهذا أيضا بخلاف قولكم، ثم جعل الرجس الذي هو العذاب على الذين لا يعقلون، ومن كان فاقدا عقله لا يكون مكلفا، فكيف يستحق العذاب؟ وهذا بالضد من الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أكثر أهل الجنة البله.
الجواب يقال له: في قوله: إلا بإذن الله وجوه: منها أن يكون الاذن: الامر، ويكون معنى الكلام أن الايمان لا يقع من أحد إلا بعد أن يأذن الله فيه ويأمر به، ولا يكون معناه ما ظنه السائل من أنه لا يكون للفاعل فعله إلا بإذنه، ويجرى هذا مجرى