وأما قوله تعالى: " ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون " فلم يعن به الناقصي العقول، وإنما أراد تعالى الذين لم يعقلوا ولم يعلموا ما وجب عليهم علمه من معرفة خالقهم تعالى، والاعتراف بنبوة رسله عليهم السلام، والانقياد إلى طاعتهم، ووصفهم بأنهم لا يعقلون تشبيها، كما قال الله تعالى: " صم بكم عمي " (1) وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الأمور أو لم يعلم ما هو مأمور بعلمه بالجنون وفقد العقل. فأما الحديث الذي أورده السائل شاهدا له فقد قيل فيه: إنه صلى الله عليه وآله لم يرد بالبله ذوي الغفلة والنقص والجنون وإنما أراد البله عن الشر والقبيح وسماهم بلها عن ذلك من حيث لا يستعملونه ولا يعتادونه، لا من حيث فقد العلم به، ووجه تشبيه من هذه حاله بالأبله ظاهر. (2) ثم قال رحمه الله: إن سأل سائل عن قوله تعالى - حاكيا عن شعيب عليه السلام -: " قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجينا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا " (3) فقال: أليس هذا تصريحا منه بأن الله تعالى يجوز أن يشاء الكفر والقبيح؟
لان ملة قومه كانت كفرا وضلالا، وقد أخبر أنه لا يعود فيها إلا أن يشاء الله.
الجواب قيل له: في هذه الآية وجوه: أولها أن تكون الملة التي عناها الله تعالى إنما هي العبادات الشرعيات التي كانت قوم شعيب متمسكين بها وهي منسوخة عنهم ولم يعن بها ما يرجع إلى الاعتقادات في الله وصفاته. (4)