الاثبات قد جعلها الله من أسباب وجود الشئ وشرائطه لمصالح، وقد مر بيانها في باب البداء، فالمشية كتابة وجود زيد وبعض صفاته مثلا مجملا، والإرادة كتابة العزم عليه بتا مع كتابة بعض صفاته أيضا، والتقدير تفصيل بعض صفاته وأحواله لكن مع نوع من الاجمال أيضا، والقضاء تفصيل جميع الأحوال وهو مقارن للامضاء أي الفعل والايجاد، والعلم بجميع تلك الأمور أزلي قديم، فقوله: وبالمشية عرف على صيغة التفعيل، وشرح العلل كناية عن الايجاد.
وقال بعض الأفاضل: الظاهر من السؤال أنه كيف علم الله؟ أبعلم مستند إلى الحضور العيني في وقته والشهود لموجود عيني؟ (1) أو في موجود عيني كما في علومنا؟
أو بعلم مستند إلى الذات سابق على خلق الأشياء؟ فأجاب عليه السلام بأن العلم سابق على وجود المخلوق بمراتب، فقال: علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى، فالعلم ما به ينكشف الشئ، والمشية ملاحظته بأحوال مرغوب فيها يوجب فينا ميلا دون المشية له سبحانه لتعاليه عن التغير والاتصاف بالصفة الزائدة، والإرادة تحريك الأسباب نحوه بحركة نفسانية فينا بخلاف الإرادة فيه سبحانه، والقدر التحديد وتعيين الحدود والأوقات، والقضاء هو الايجاب، والامضاء هو الايجاد، فوجود الخلق بعد علمه سبحانه بهذه المراتب; وقوله: فأمضى ما قضى أي فأوجد ما أوجب، وأوجب ما قدر، وقدر ما أراد، ثم استأنف البيان على وجه أوضح فقال: بعلمه كانت المشية وهي مسبوقة بالعلم، و بمشيته كانت الإرادة وهي مسبوقة بالمشية، وبإرادته كان التقدير والتقدير مسبوق بالإرادة، وبتقديره كان القضاء والايجاب وهو مسبوق بالتقدير، إذ لا إيجاب إلا للمحدد الموقوف، وبقضائه وإيجابه كان الامضاء والايجاد; ولله تعالى البداء فيما علم متى شاء فإن الدخول في العلم أول مراتب السلوك إلى الوجود العيني، وله البداء فيما علم متى شاء أن يبدو وفيما أراد، وحرك الأسباب نحو تحريكه متى شاء قبل القضاء والايجاب فإذا وقع القضاء والايجاب متلبسا بالامضاء والايجاد فلا بداء فعلم أن في المعلوم العلم قبل كون المعلوم وحصوله في الأذهان والأعيان، وفي المشاء المشية قبل عينه ووجوده