الكتاب والاخبار كما قال الله عز وجل: " إلا امرأته قدرناها من الغابرين " (1) يعني كتبنا وأخبرنا; وقال العجاج:
واعلم بأن ذا الجلال قد قدر * في الصحف الأولى التي كان سطر وقدر معناه كتب; وقد يكون القضاء بمعنى الحكم والالزام قال الله عز وجل:
" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " (2) يريد حكم بذلك وألزمه خلقه، فقد يجوز أن يقال: إن الله عز وجل قد قضى من أعمال العباد على هذا المعنى ما قد ألزمه عباده وحكم به عليهم وهي الفرائض دون غيرها، وقد يجوز أيضا أن يقدر الله عز وجل أعمال العباد بأن يبين مقاديرها وأحوالها من حسن وقبح وفرض وناقلة وغير ذلك، ويفعل من الأدلة على ذلك ما يعرف به هذه الأحوال لهذه الأفعال فيكون عز وجل مقدرا لها في الحقيقة، وليس يقدرها ليعرف مقدارها ولكن ليبين لغيره ممن لا يعرف ذلك حال ما قدره بتقديره إياه، وهذا أظهر من أن يخفى وأبين من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه ألا ترى أنا قد نرجع إلى أهل المعرفة بالصناعات في تقديرها لنا فلا يمنعهم علمهم بمقاديرها من أن يقدروها لنا ليبينوا لنا مقاديرها؟ وإنما أنكرنا أن يكون الله عز وجل حكم بها على عباده ومنعهم من الانصراف عنها أو أن يكون فعلها و كونها فأما أن يكون عز وجل خلقها خلق تقدير فلا ننكره.
وسمعت بعض أهل العلم يقول: إن القضاء على عشرة أوجه: فأول وجه منها العلم، وهو قول الله عز وجل: " إلا حاجة في نفس يعقوب قضيها " (3) يعني علمها.
والثاني: الاعلام وهو قوله عز وجل: " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب " (4) وقوله: " وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء " (5) أي أعلمناه.
والوجه الثالث: الحكم وهو قوله عز وجل: " ويقضي ربك بالحق " يعني يحكم بالحق. (6)