أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللا مفصلات، فيقول: لم خلق كذا وكذا؟ حتى يعد المخلوقات كلها ويحصيها، ولا يجوز أن يقول: لم أمر بكذا وتعبد بكذا ونهى عن كذا؟
إذ تعبده بذلك وأمره لما هو أعلم به من مصالح الخلق، ولم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل ما خلق وأمر به وتعبد، وإن كان قد أعلم في الجملة أنه لم يخلق الخلق عبثا، وإنما خلقهم للحكمة والمصلحة، ودل على ذلك بالعقل والسمع، فقال سبحانه: " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين " (1) وقال: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا " (2) وقال:
" إنا كل شئ خلقناه بقدر " (3) يعني بحق، ووضعناه في موضعه، وقال: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " (4) وقال فيما تعبد: " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها و لكن يناله التقوى منكم ". (5) وقد يصح أن يكون تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه تعالى بأنه يؤمن عند خلقه كفار، أو يتوب عند ذلك فساق، أو ينتفع به مؤمنون، أو يتعظ به ظالمون، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء، وذلك يغيب عنا، وإن قطعنا في الجملة أن جميع ما صنع الله تعالى إنما صنعه لأغراض حكمية، ولم يصنعه عبثا، وكذلك يجوز أن يكون تعبدنا بالصلاة لأنها تقربنا من طاعته وتبعدنا عن معصيته، وتكون العبادة بها لطفا لكافة المتعبدين بها أو لبعضهم.
فلما خفيت هذه الوجوه وكانت مستورة عنا ولم يقع دليل عل التفصيل فيها وإن كان العلم بأنها حكمة في الجملة كان النهي عن الكلام في معنى القضاء والقدر إنما هو عن طلب علل لها مفصلة فلم يكن نهيا عن الكلام في معنى القضاء والقدر.
هذا إن سلمت الاخبار التي رواها أبو جعفر رحمه الله، فأما إن بطلت أو اختل سندها فقد سقط عنا عهدة الكلام فيها، والحديث الذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى، والمعنى فيه ظاهر ليس به على العقلاء خفاء، وهو مؤيد للقول بالعدل