عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي - ج ٢ - الصفحة ١٩٤
صدق الله وكذب الحجاج، وتلي الآية (فاغسلوا وجوهكم إلى آخرها) (1) (2).
(89) وروى غالب بن هذيل، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المسح على الرجلين؟ فقال: (هو الذي نزل به جبرئيل) (3) (4).
(90) وروى زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ألا تخبرني يا بن رسول الله من أين قلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فقال: (قاله رسول الله صلى الله عليه وآله، ونزل به الكتاب من الله سبحانه، فقال: " فاغسلوا وجوهكم " فعرفنا أن الوجه كله يجب أن يغسل، ثم قال: " وأيديكم إلى المرافق " ثم فصل بين الكلامين، فقال: " وامسحوا برؤوسكم " فعرفنا أن المسح ببعض الرأس، لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس، كما وصل اليدين بالوجه، فقال: " و أرجلكم إلى الكعبين " فعرفنا حين وصلهما بالرأس، أن المسح ببعضها، ثم فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فضيعوه (فصنعوه خ ل) (5) (6).

(١) الدر المنثور ٢: ٢٦٢، سورة المائدة، في تفسير آية الوضوء، وتتمة الحديث (وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما).
(٢) وفيه دلالة على أن الآية غير دالة على الغسل، لان أنسا جعلها حجة على كذب الحجاج في أمره بالغسل (معه).
(٣) الوسائل، كتاب الطهارة، باب (٢٥) من أبواب الوضوء، حديث ٤.
(٤) وهذا يدل أيضا على أن مسح الرجلين هو الذي جاء به القرآن (معه).
(٥) الوسائل، كتاب الطهارة، باب (٢٣) من أبواب الوضوء، حديث ١، بتفاوت يسير في الألفاظ.
(٦) في مشرق الشمسين، قد يتوهم أن قول زرارة للإمام عليه السلام: (ألا تخبرني من أين علمت وقلت) يوجب الطعن عليه بسوء الأدب وضعف العقيدة، وجوابه أن زرارة كان ممتحنا بمخالطة علماء العامة، وكانوا يبحثون معه في المسائل الدينية ويطلبون منه الدليل على ما يعتقد حقيقته، فأراد أن يسمع منه عليه السلام ما يسكتهم به، وإلا فخلوص عقيدته مما لا يحوم حوله شك ولا ريب. وربما قرء بعض مشايخنا، من أين علمت بتاء المتكلم، يعني إني عالم بذلك، ولكن أريد أن تخبرني بدليله، لاحتج به عليهم.
أقول: لا يحتاج إلى هذا، لان زرارة كان متبحرا في العلوم، يريد الاطلاع على دلائل المسائل، ليزداد الاحكام وضوحا، ولذا ما كان يقتصر من الأجوبة على ما كان يقنع به غيره، وكان يأتي الإمام عليه السلام للسؤال وقت خلوته، حتى لا يحتاج في جوابه إلى رعاية التقية. وقال عليه السلام: لأصحابه ومن يحتمل ما يحتمل زرارة.
وقوله تعالى: " وأيديكم إلى المرافق " استدل به السيد وابن إدريس قدس الله روحيهما على جواز النكس. وأجيب بأنه نص جماعة من أصحابنا على أن (إلى) هنا بمعنى (مع) ليكون موافقا للوضوء البياني. وبأنه يجوز أن يكون لانتهاء تحديد المغسول لا الغسل، كما تقول: خضبت كفي إلى الزند. لان لليد في الاصطلاح، إطلاقات كثيرة، يد القطع، ويد التيمم، ويد الوضوء، وإلى المنكب. فأراد سبحانه تحديد الوضوء.
وقوله عليه السلام: (ثم فصل بين الكلامين) المراد أنه سبحانه غاير بين المسح و الغسل، بدخول الباء وعدمه. وهذا نص في كون الباء للتبعيض، فلا يحسن قول من جعلها هنا لمطلق الالصاق، كما لا يحسن إنكار سيبويه مجيئها للتبعيض في سبعة عشر موضعا من كتابه، مع أن الأصمعي صرح بمجيئها له، وأتى له بشواهد كثيرة. والأصمعي أعرف بمواقع كلام العرب.
وسيبويه رجل أعجمي سكن بغداد برهة من الزمان وحصل بينه وبين الكسائي مشاجرة في مسألة الزنبور، فسافر إلى شيراز ومات بها، وقبره الآن معروف بها رأيناه ولم نزره. والعجب من العلامة طاب ثراه كيف تابعه في تهذيب الأصول.
وقوله: (فضيعوه) بالضاد والياء، وهو الأنسب مما هنا (جه).
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست