ثم الحسد وهو معصية ابن آدم حين حسد أخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو وحب الثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقالت الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دنيان: دنيا بلاغ، ودنيا ملعونة (1).
() - عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كتب أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - إلى بعض أصحابه يعظه: أوصيك ونفسي بتقوى الله، من لا تحل معصيته ولا يرجى غيره ولا الغنى إلا به، فإن من اتقى الله عز وقوى وشبع وروى ورفع عقله عن أهل الدنيا، فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله معاين للآخرة، فأطفأ بضوء (2) قلبه ما أبصرت عيناه من حب الدنيا، فقدر حرامها وجانب شبهاتها، وأضر والله بالحلال الصافي إلا ما لابد له من كسرة يشد بها صلبه، وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه، ولم يكن له فيما لابد منه ثقة ولا رجاء فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء، فجد واجتهد وأتعب بدنه حتى بدت الأضلاع، وغارت العينان فأبدله الله من ذلك قوة في بدنه وشدة في عقله، وما ادخر له في الآخرة أكثر، فارفض الدنيا، فإن حب الدنيا يعمي ويصم ويبكم ويذل الرقاب، فتدارك ما بقي من عمرك ولا تقل غدا وبعد غد، فإنما هلك من مضى قبلكم بإقامتهم على الأماني والتسويف، حتى أتاهم من الله أمرهم بغتة وهم غافلون، فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيقة وقد أسلمهم الأهلون والأولاد، فانقطع إلى الله بقلب منيب من رفض الدنيا وعزم ليس فيه انكسار ولا انخذال، أعاننا الله وإياك على طاعته ووفقنا وإياك لمرضاته (3).