فقالوا كلهم قد سمعنا منك وأطعناك فيه ثم قال لهم عبد المطلب ان الرئيس عليكم من بعدي الوليد بن المغيرة فإنه أهل لان يجمعنكم على الخير ويلم شملكم فضجت الخلق بأجمعهم وقالوا قبلنا امرك فنعم ما رأيته رئيسا ونعم ما خلقته فينا بعدك وصارت قريش وبنو هاشم تحت ركاب الوليد بن المغيرة لعنه الله تعالى فعند ذلك تغير وجه عبد المطلب واخضرت أظافر يديه ورجليه ووقع على وجنتيه غبار الموت وأكثر التقلب من جانب إلى جانب ومرة يقيض رجلاه ومرة يبسط أخرى والخلائق من قريش وبني هاشم حاضرون وقد صارت مكة في ضجة واحدة وأراد النبي صلى الله عليه وآله ان يقوم من عنده ففتح عبد المطلب عينيه وقال يا محمد تريد أن تقوم قال نعم فقال عبد المطلب يا ولدي فاني وحق رب السماء لفي راحة ما دمت عندي قال فقعد النبي صلى الله عليه وآله فما كان الا عن قليل حتى قضى نحبه (قال الواقدي) ثم قاموا في تغسليه فغسلوه وحنطوه وكفنوه وجعلوه في أعواد المنايا وحملوه إلى ذيل الصفا وما بقي في مكة شيخ وشاب ولا حر ولا عبد من الرجال والنساء إلا وقد ذهبوا في جنازته وعظموها ودفنوه ورجع الخلق من جنازته باكين عليه لفقده من مكة فقالت عاتكة بنت عبد المطلب ترثي أباها:
ألا يا عين ويحك أسعديني * بدمع واكف هطل غزير - على رجل أجل الناس أصلا * وفرعا في المعالي والظهور - طويل الباع أروع شيظمي * أغر كغرة القمر المنير - وابكى هاشما وبني أبيه * فقد فارقت ذا كرم وخير - وغيثا للقرى في كل ارض * إذا ضن الغنى على الفقير - فقدنا من قريش في البرايا * سحاب الناس في السنة النرور وقالت صفية ترثي أباها:
أعيني جودا بالدموع السواكب * على خير شخص من لوي بن غالب - أعيني لا تستحسرا من بكاكما * على ماجد الاعراق عف المكاسب -