فصل فان قيل: لعل من تقدم محمدا صلى الله عليه وآله كامرئ القيس وأضرابه لو عاصره لأمكنه معارضته.
قلنا: إن التحدي لم يقع بالشعر فيصح ما قلته، ومن كان في زمانه صلى الله عليه وآله وقريبا منه لم تقصر بلاغتهم في البدلة عن بدلهم، كامرئ القيس، بل كانت في زمانه قريبا منه من قدم في البلاغة على من تقدم.
ولأنه صلى الله عليه وآله ما كلفهم أن يأتوا بالمعارضة من عند أنفسهم، وإنما تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم من كلامهم، أو كلام غيرهم ممن تقدمهم.
فلو علموا أن في كلامهم ما يوازي بلاغة القرآن لاتوا به، وقالوا (١): إن هذا كلام من ليس بنبي (٢) وهو مساو للقرآن في بلاغته.
ومعلوم أن محمدا صلى الله عليه وآله ما قرأ الكتب، ولا تتلمذ لاحد من أهل الكتاب، وكان ذلك معلوما لأعدائه، ثم قص عليهم صلى الله عليه وآله قصة (٣) نوح، وموسى، ويوسف، وهود وصالح، وشعيب، ولوط، وعيسى وقصة مريم على طولها.
فما رد عليه أحد من أهل الكتاب شيئا منها، ولا خطأوه في شئ من ذلك.
ومثل هذه الأخبار لا يتمكن منها بالبحث (٤) والاتفاق، وقد نبه الله تعالى بقوله:
﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم﴾ (5) ونحوها (6) من قصص الأنبياء وأمم الماضين. (7)