فارس والعراق واستكتب تآليف أهل الهند والصين والروم، كما قاله الأستاذ محمد كرد علي في خطط الشام (1) ونافت كتبها على عشرة آلاف من جلائل الآثار، ومهام الاسفار وأكثرها نسخ الأصل بخطوط المؤلفين، وحيث كان الوزير المذكور (سابور) من أهل الفضل والأدب أخذ العلماء يهدون إليه مؤلفاتهم، فأصبحت مكتبة من أغنى دور الكتب ببغداد (3).
ويحدثنا ابن الأثير الجزري في التاريخ (الكامل) في حوادث سنة 449 ه فيقول: " فيها نهبت دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ - وهو فقيه الامامية - وأخذ ما فيها، وكان قد فارقها إلى المشهد الغروي... ".
ومثله ما ذكره ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان) (3) وما ذكره ابن كثير في (البداية والنهاية) (4) وما ذكره ابن الجوزي في (المنتظم) (5) وغير هؤلاء من المؤرخين وأرباب المعاجم.
ولما رأى الشيخ الطوسي رحمه الله الخطر محدقا به هاجر بنفسه إلى النجف الأشرف لائذا بجوار الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام وصيرها مركزا للعلم، وجامعة كبرى للشيعة الإمامية وعاصمة للدين الاسلامي والمذهب الجعفري.
وصارت بلدة النجف الأشرف تشد إليها الرحال، وتعلق بها الآمال، وأصبحت مهبط العلم، ومهوى أفئدتهم، وقام بها بناء صرح الاسلام، وكان الفضل في ذلك لشيخ الطائفة الطوسي نفسه، فقد بث في أعلام تلامذته الروح العلمية، وغرس في قلوبهم بذور المعارف الإلهية، وصقل أذهانهم، وأرهف طباعهم، فبان فضل النجف الأشرف على ما سواها من البلدان الاسلامية، والمعاهد العلمية، وخلفوا الذكر الجميل على مر الدهور والاعصار.