فلعل الجمع بينه وبين ما روي من أنه يضع الجزية عند ظهوره أنه يضعها عن أهل الكتاب فإنهم حينئذ بمنزلة الحربي لا يرفع عنهم السيف حتى يؤمنوا أو يقتلوا والله أعلم.
289 - الحسين بن محمد الأشعري، عن علي بن محمد بن سعيد، عن محمد بن مسلم بن أبي سلمة عن محمد بن سعيد بن غزوان (1) عن محمد بن بنان، عن أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
قال أبي (عليه السلام) يوما وعنده أصحابه: من منكم تطيب نفسه أن يأخذ جمرة في كفه فيمسكها حتى تطفأ؟ قال: فكاع الناس كلهم ونكلوا، فقمت وقلت: يا أبة أتأمر أن أفعل؟ فقال: ليس إياك عنيت إنما أنت مني وأنا منك، بل إياهم أردت] قال: [وكررها ثلاثا، ثم قال: أأكثر الوصف وأقل الفعل؟! إن أهل الفعل قليل، إن أهل الفعل قليل، ألا وإنا لنعرف أهل الفعل والوصف معا وما كان هذا منا تعاميا عليكم بل لنبلوا أخباركم ونكتب آثاركم، فقال: والله لكأنما مادت بهم الأرض حياء مما قال حتى أني لا نظر إلى الرجل منهم يرفض عرقا ما يرفع عينيه من الأرض فلما رأى ذلك منهم قال: رحمكم الله فما أردت إلا خيرا، ان الجنة درجات فدرجة أهل الفعل لا يدركها أحد من أهل القول ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم. قال: فوالله لكأنما نشطوا من عقال.
* الشرح:
قوله: (فكاع الناس كلهم ونكلوا) الكيع الجبن والخوف تقول كعت عنه أكيع إذا هبته وجنبت عنه، والنكول عن الشيء: الامتناع منه وترك الإقدام عليه، ثم قال: (ما أكثر الوصف وأقل الفعل) أي:
من وصف نفسه بالتشيع كثير والفاعل العامل بلوازمه قليل جدا وما ذلك إلا لضعف يقينهم حيث لم يستيقنوا بأن المعصوم لا يطلب منهم ما يضرهم ولو أخذوا جمرة لصارت عليهم بردا وسلاما كما صارت على خليل الرحمن نظير ذلك ما نقل أن موسى (عليه السلام) عند تعاقب فرعون أمر قومه بالمرور على وجه البحر فلم يقبل منه إلا يوشع فمضي عليه راكبا سالما غانما (إلا وأنا لنعرف أهل الفعل والوصف معا) بالمشاهدة القلبية في حال الغيبة والمشاهدة العينية في حال الحضور وقوله «معا» لإفادة أن معرفة أحدهما لا يمنع معرفة الآخر فإن العلم الحصولي إذا كمل يصير بمنزلة العلم الحضوري ثم أكده بقوله (وليس ذلك منا تعاميا عليكم) أي ليس ذلك القول المذكور في الصدر جهلا منا بأحوالكم الماضية والحاضرة والآتية وطلبا لحصول العلم إذ هي معلومة لنا (بل لنبلوا أخباركم