أنفسهم) أي رجع بعض إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته لحجة خصمه (فقالوا إنكم أنتم الظالمون) أي في عبادتكم من لا يقدر أن يدفع عن نفسه فكيف يدفع عن غيره (ثم نكسوا على رؤوسهم) أي رجعوا إلى جهالتهم وضلالتهم (فقالوا لقد علمت..) الآية ووجه عدم الكذب في قوله (بل فعله كبيرهم) أنه من باب التورية والمعاريض حيث علق خبره على شرط نطقه كأنه قال إن كان ينطق فهو فعله على وجه التبكيت لهم وهذا ليس بكذب وداخل في باب المعاريض التي جعلهما الشرع مباحة للتخليص من المكروه والحرام إلى الجايز إصلاحا بين الناس ورفعا لما يضر وإنما الباطل التحيل في إبطال حق أو تمويه باطل وقد ذكرنا زيادة التوضيح في باب الكذب.
(ولقد قال يوسف (عليه السلام) أيتها العير إنكم لسارقون) العير الكسر القافلة مؤنثة وهذا القول وإن كان من مناديه (عليه السلام) إلا أنه لما كان بأمره نسب إليه.
(والله ما كانوا سارقين وما كذب) لأنه قال ذلك لإرادة الإصلاح هكذا قالوا، ودلت عليه الرواية عن أبي جعفر (عليه السلام) ويمكن أن يكون من باب التورية بأن يراد بالسارق ضعيف العقل أو الذي خفي عن البصر من سرقت مفاصله كفرح إذا ضعفت أو من سرق الشيء كفرح إذا خفي لا يقال قوله (عليه السلام):
(ما كذب) في المواضع الثلاثة ينافي ما مر في باب الكذب من قول الصادق (عليه السلام): (إن الله أحب اثنين وأبغض اثنين أحب الخطر فيما بين الصفين وأحب الكذب في الإصلاح وأبغض الخطر في الطرقات وأبغض الكذب في غير الإصلاح، إن إبراهيم (عليه السلام) قال بل فعله كبيرهم هذا إرادة الإصلاح ودلالة على أنهم لا يفعلون وقال يوسف (عليه السلام) إرادة الإصلاح يعني قال يوسف (عليه السلام) أيتها العير إنكم لسارقون لإرادة الإصلاح) ووجه المنافاة نفي الكذب في أحدهما وإثباته في الآخر إلا أنه بين أن هذا النحو من الكذب لا يضر لأنا نقول إطلاق الكذب عليه إنما هو بحسب الظاهر من الكلام لغة ونفيه باعتبار أن له غرضا صحيحا غير ظاهر يتوجه القصد إليه.