التفاوت بين القطرة والبحر، وذلك لأن دلالة هذا العلم الناقص على العلم الكامل الحقيقي ممنوعة كيف ولا دلالة للقطرة على البحث؟ على أن هذا الجواب لا يقطع مادة الإشكال بالكلية، فتأمل.
(وللمتكلف) بالعلم المنتسب إليه الذي جمع شيئا من أقوال العلماء ومذاهب الحكماء وأخذ الرطب واليابس من كل صنف ويتكلف ويدعي أنه عالم راسخ في العلم ويجعله وسيلة لتورط الشبهات وارتكاب الخصومات وذريعة لنيل الشهوات.
(ثلاث علامات: ينازع من فوقه) من أهل العلم الذي يجب عليه الإطاعة والانقياد له.
(بالمعصية) وعدم الإطاعة والانقياد، فكلما تكلم هذا العالم الفوقاني بالمعارف الإلهية والنواميس الربانية والأحكام النبوية وسطع نور من افق جنانه ولمع ضوء من مشرق لسانه، وظهر جوهر من معدن بيانه تصدى ذلك المتكلف لإطفائه بظلم الشبهات (1) وتعرض لإخفائه بأدخنة المزخرفات، وتلقى كسره بأحجار التخيلات، كل ذلك لتحصيل ما هو من أعظم مطالبه، وترويج ما هو من أفخم مآربه، وهو ظهور علو منزلته عند العوام ووضح سمو درجته عند اللئام باعتبار إلزامه أو مناظرته ذلك العالم النحرير واتصافه عندهم بكمال العلم وحسن التقرير.
(ويظلم من دونه) في العلم والمعرفة.
(بالغلبة) أي بغلبته عليه بالباطل الذي اقترفه ذهنه السقيم أو اكتسبه طبعه اللئيم مع عدم قدرة من دونه على إبطاله والتخلص عنه، أو المراد بظلمه له أنه يحقره ويجهله عند الناس ويسفهه في أعينهم وينسبه إلى قلة العلم والفهم والحماقة (2).
وأما القول بأن معناه يظلم من دونه في القدر والاعتبار بسبب الغلبة عليه بالمال والجاه ونحوهما لا بسبب الغلبة في العلم فهو بعيد في ذاته، مع أنه يوجب فوات المناسبة بين هذه الفقرة والفقرة السابقة; إذ الظاهر أن الفوقاني والتحتاني من جنس واحد لا أن أحدهما في العلم والآخر في المال كما ظن، ويؤيد ما قلناه أنه وقع في بعض النسخ «ويلزم» بدل «ويظلم»; لأن المتبادر من الإلزام هو الإلزام بالعلم لا بالمال، والمراد من هذه النسخة أن مقصوده مجرد إلزامه وإظهار جهله