مساكن القديسين وارتقاءها إلى منازل الروحانيين (1)، فإذا بلغت هذه المرتبة وشاهدت عظمة الرب وجلاله وكماله وقدرته بعين اليقين حدثت فيها نار الخوف والخشية واشتعلت فيها فينعكس شعاعها وضوؤها إلى ظاهر الإنسان لما بين الظاهر والباطن من المناسبة الموجبة لسراية أثر كل منهما إلى الآخر فيستضيىء كل عضو من أعضائه الظاهرة ويهتدي إلى ما خلق لأجله وما هو آلة لارتقائه وعروجه من الأفعال والأقوال ويصدق بعض أعضائه بعضا بالتوافق والتعاون ويوافق ظاهره باطنه وباطنه ظاهره فيفعل للحق ويقول له ويدعو إليه ويخشى منه، فهو إذن عالم رباني وجسم روحاني ونور إلهي كامل في ذاته مكمل لغيره.
(ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم) يعني كل من أمر بخير ودعي إليه ولم يعمل به فهو ليس بعالم; لأنك قد عرفت أن العمل ثمرة الخوف وأثره، والخوف ثمرة العلم وأثره، فانتفاء العمل دليل على انتفاء الخوف، وانتفاء الخوف دليل على انتفاء العلم; لأن انتفاء المسببات واللوازم دليل على انتفاء الأسباب والملزومات وأيضا ترك الأعمال الظاهرة والأمر بالخير مع عدم الإتيان به والنهي عن الشر مع الإتيان به ذنب وخيانة يوجب سواد مرآة القلب وظلمته فلا يقبل نور العلم; لأن الظلمة والنور لا يجتمعان في محل واحد ولو حصل له شيء من العلوم فهو نور مخلوط بالظلمة، وذلك ليس بعلم وصاحبه ليس بعالم حقيقة، بل هو منافق يقول بالحق ولا يعتقد به ويأمر بالخير ولا يعمل به.
* الأصل:
3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القماط، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا اخبركم بالفقيه حق الفقيه: من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكر».