شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٧٢
ثم أشار إلى أن هذه الصفات لا خير فيها ولا عبرة بها ما لم تقترن بفضيلة قلبية أعني التفهم والتدبر والتفكر بقوله:
(ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم) أي طلب فهم حقائقه وأغراضه، فإن من نظر إلى ظاهر هذا العالم مثلا واستدل به على وجود الصانع حصل له علم ظاهري يشاركه فيه سائر العوام، ولا خير فيه كثيرا، وإنما الخير فيما إذا تأمل فيه وفي كل واحد من أجزائه الساكنة والمتحركة والعلوية والسفلية والمركبة والبسيطة والنامية وغير النامية، وفي كيفية حركاتها ونشوئها واختلاف مقادير تلك الحركات ومسافاتها واقتراناتها واتصالاتها إلى غير ذلك من الأحوالات التي دلت على كمال قدرة صانعها (1)، وفي فوائد تلك الامور وأغراضها، وقد اشتمل على جملة من ذلك حديث هشام، فإن المتأمل فيه يستغرق في بحر التوحيد، وكذلك لا خير كثيرا في العلم بوجوب الصلاة بدون تفهم حقيقتها وحقيقة أجزائها من التكبير والقراءة والركوع والسجود وسائر الأفعال والأذكار والأغراض المترتبة عليها ويرشد إلى جملة منها ما ذكرناه في حديث جنود العقل، وقس عليهما سائر العلوم فإن كل معلوم له ظاهر وباطن وحقيقة وغرض، والخير الكثير إنما هو في العلم المتعلق به من جميع الوجوه; إذ هو مرقاة الحق ونوره في قلوب العارفين لا العلم بالظواهر، والفرق بين علماء الظاهر والباطن: أن علماء الباطن واصلون إلى الحق وعلماء الظاهر طالبون لطريقه، ويحتمل أن يراد بالعلم الذي ليس فيه تفهم العلم التقليدي والظني الذي ليس عليه برهان والنقلي الذي بمجرد الرواية دون الدراية، وقيل: هذه الفقرة متعلقة بالفقرة الاولى للتنبيه على أن من يقنط الناس بالوعيد ليس في علمه تفهم إذ العالم المتفهم يعلم أن الغرض من الوعيد جذب عباد الله إلى الطاعة والانقياد له، والتقنيط يبعده عنها.
(ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر) للقرآن فينا منازل ولنا باعتبار كل واحد منها خير وثواب إلا أنه في بعضها أكمل وأوفر منه في بعض آخر، فمن تلك المنازل البصر فإنه منزل لنزول صوره وخطوطه ومحل لشهود جماله ونقوشه كما ورد «أن النظر في المصحف عبادة» (2).
ومنها اليد فإنها منزل لحمله وكتابته وعدم ضرب بعضه ببعض كما ورد «ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر» (3).

١ - هذا تصريح بحسن تعلم علم النجوم، ولا ينافي ما سبق منه في ذمه، كما يظهر بالتأمل. (ش) ٢ - الكافي - كتاب فضل القرآن (باب فضل قراءة القرآن في المصحف)، تحت رقم ٥.
٣ - المصدر - كتاب فضل القرآن (باب النوادر)، تحت رقم ١٧ و ٢٥.
والظاهر أن الشارح (رحمه الله) حمل معنى الضرب على المعنى المعروف منه. وفي معاني الأخبار للصدوق قال:
«سألت محمد بن الحسن عن معنى هذا الحديث فقال: هو أن يجيب عن تفسير آية بتفسير آية اخرى».
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست