شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٦٠
استخف بحقهم، وإنما وصف الجاهل بما ذكر لأن الجاهل المعظم لأهل العلم المقتدي بهم محب لهم ومتعلم منهم، وهما من أهل المحبة دون المقت.
(وإن أحب عبيدي إلي) المحبة ضد المقت، وهي إحسانه تعالى للعبد بكشف الحجاب وتوفيقه في تحصيل الثواب وحفظه عن مقام الزلة وإيقاظه عن نوم الغفلة وتأديبه بأدنى المخالفة; لجذبه بعنايته الأزلية إلى السعادة الأبدية حتى يطأ بقدم الإخلاص على بساط الاختصاص، ويمشي في منازل القرب مع خاص الخاص.
(التقي) أي الخائف من الله تعالى; للتقوى مراتب: أولها: التحرز من الشرك، وهو يحصل بكلمة التوحيد. وثانيها: التجنب عن المعاصي، وهو يحصل بالتزام الأوامر واجتناب المناهي. وثالثها:
التنزه عما يشغل القلب عن الحق.
(الطالب للثواب الجزيل) أي العامل بما يوجبه، سواء قصد حصوله أو لا، وهذا الكلام وصف للتقي وتوضيح له يعني أن التقي هو الذي يطلب الثواب الجزيل بالتزام التوحيد والأوامر واجتناب الشرك والمناهي وتحلية الظاهر بالأفعال الجميلة وتخلية الباطن عن الأخلاق الرذيلة والتقوى بالمعنى المذكور من خواص العاقل وآثاره، ولأجل ذلك وقع مقابلا للجاهل مع القصد إلى ذكر ما هو المقصود من العاقل صريحا.
(اللازم للعلماء) فيه ترغيب على دوام ملازمة العلماء ومجالستهم ومصاحبتهم ليتنور القلب بأنوار قلوبهم.
(التابع للحكماء) فيه تنبيه على أن مجرد الملازمة لا يكفي في حصول المقصود، أعني إصلاح الحال، بل لا بد من أن يكون تابعا لأقوالهم وأعمالهم وعقائدهم مع ما فيه من الإيماء إلى أن العالم ما لم يكن حليما سليما عن مقتضيات القوة الغضبية والشهوية ليس له شرف الاقتداء به.
(القابل عن الحكماء) فيه تحريض على قبول العلم وأخذه من الحكيم ولو بواسطة، وقد يقال:
المراد بالحكماء الأنبياء وبالحلماء الأوصياء، وبالعلماء أهل العلم من الشيعة، وقد اختلفت أقوال الأكابر في الفرق بين العالم والحكيم فقيل: العالم طبيب الدين بأدوية الحق والصدق والتصفح والتعطف، وقيل: من يخلص الناس من أيدي الشياطين، وقيل: هو من لان قلبه وحسن خلقه ورق ذكره ودق فكره ولا يطمع ولا يبخل، وقيل: غير ذلك.
مصابيح الأنام بكل أرض * هم العلماء أبناء الكرام فلولا علمهم في كل واد * كنور البدر لاح بلا غمام لكان الدين يدرس كل
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 65 66 ... » »»
الفهرست