وقيل: هذه الفقرة متعلقة بالفقرة الأخيرة، فإن التفكر في العبادة إنما يتحقق بأخذها من مأخذها وهو القرآن، وأما من رغب عنه إلى غيره وأخذها من ذلك الغير فقد ترك التفكر فيها.
(وفي رواية اخرى: ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها) لأن الفقه أصل للعبادة ولا خير في الفرع مع انتفاء الأصل واختلاف هذه الرواية مع السابقة في هذه الفقرة بحسب العبارة دون المعنى (1)، وفي زيادة فقرة اخرى وهي قوله:
(ألا لا خير في نسك لا ورع فيه) في الصحاح: النسك العبادة والناسك العابد. وفي المغرب:
النسك الذبيحة، يقال: من فعل كذا فعليه نسك، أي دم يهريقه بمكة ثم قالوا لكل عبادة نسك، ومنه:
(إن صلاتي ونسكي) (2) والناسك العابد الزاهد وهذا من الخاص الذي صار عاما، وفي هذا دلالة على أن النسك في الأصل هو الذبيحة ثم صار عاما، على أن معناه هو العبادة المقيدة بالزهادة لا مطلق العبادة.
والظاهر هنا هو المطلق والورع هو الكف عن المحرمات والأغراض الدنيوية وزهراتها وشبهاتها وعن الطمع والحرص ومنشؤه العلم بحقارة الدنيا وما فيها وجلالة قدر الآخرة والجنة ونعيمها وإطالة الفكر في أحوال المبدأ والمعاد والعبادة إذا قارنت بهذه الفضيلة صارت خيرا محضا يترتب عليها ثمراتها وهي التقرب إلى الله والوصول إلى الله والفناء في الله (3)، وإن فارقت عنها بقي العابد محبوسا في سجن الدنيا ومغلولا بأغلال زهراتها ومقيدا بقيود شهواتها ولا خير في عبادة لا تنجي صاحبها عن هذه المزلة والجهالة ولا تدفع عنه هذه الخسة والرذالة.
* الأصل:
4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان النيسابوري جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «إن من علامات الفقه الحلم والصمت».