(عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)) ذكر الله سبحانه أولا شيئا من عجائب مخلوقاته وغرائب مخترعاته من إنزال الماء وإحياء الموات وإيجاد الثمرات وغيرها من اختلاف ألوان الجبال والناس والدواب والأنعام، ثم عقبها بهذه الآية الشريفة تنبيها على أنه لا يصلح للنظر في دلائل وحدته والمشاهدة لبراهين معرفته والقيام بأداء حق طاعته وعبادته إلا العالمون ولا يخشاه إلا الراسخون في العلم كما لا يخشى السلطان إلا المقربون; لأن الخشية على حسب العلم بالله وبنعوت كماله وصفات جلاله، وكلما كان العلم به أقوى كانت الخشية له أشد، كما روي «أن أعلمكم بالله أشدكم خشية له» (1).
وفي تقديم المفعول دلالة على أن الذين يخشون من بين عباده هم العلماء دون غيرهم، ولو أخر لكان المفاد أن العلماء لا يخشون إلا الله، وهذا أيضا صحيح، إلا أن في الأول من المبالغة في مدح العلم ما ليس في الثاني.
(قال: يعني بالعلماء من صدق فعله قوله) هذا التصديق من آثار العلم والخشية ولوازمهما; لأن العلم إذا صار ملكة راسخة في النفس مستقرة فيها صارت النفس نورا إلهيا وضوء ربانيا تنقاد لها القوة الشهوية والغضبية وسائر القوى الحيوانية، وينقطع عنه الهوى والوساوس الشيطانية فترى بنورها عالم الكبرياء والجلال والعظمة الإلهية فيحصل لها من مشاهدة ذلك خوف وخشية وهيبة موجبة للعمل له والجد في العبادة وغاية الخضوع وعدم الإهمال لشيء من أنحاء التعظيم ويخاف أن يؤمر بشيء ولا يعمل به; لأن ذلك إثم وخيانة ونفاق فيكون فعله مصدقا قطعا، ومما ذكرنا ظهر أن العمل والتصديق المذكور ثمرة الخشية، والخشية ثمرة العلم، فمن علم يخشاه ومن يخشاه يعمل له ويصدق فعله قوله، وإن أردت زيادة توضيح فنقول:
للعلم سواء كان عمليا أو اعتقاديا (2) تأثير عظيم في نفس الإنسان; إذ هو نور يوجب مشاهدتها ما في العلوم اللاهوتية وهدايتها إلى سبيل النجاة من الطبائع الناسوتية وجناح يورث عروجها إلى