شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٣١٧
وهم في الحساب يوهم من باب علم وهما بالتحريك إذا غلط فيه وسها ووهم في الشيء يهم من باب ضرب وهما بالتسكين إذا ذهب وهمه إليه.
(ولم يتعمد كذبا فهو في يده يقول به) أي يعتقد به.
(ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه) قال شارح نهج البلاغة: وذلك أن يسمع من الرسول (صلى الله عليه وآله) كلاما فيتصور منه معنى غير ما يريده الرسول ثم لا يحفظ بعينه فيورده بعبارته الدالة على ما تصوره من المعنى فلا يكون قد حفظه وتصوره على وجهه المقصود للرسول فوهم فيه فلم يتعمد كذبا فهو في يديه يرويه ويعمل على وفق ما تصور منه ويسنده إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلة دخول الشبهة على المسلمين عدم علمهم بوهمه وعلة دخولها عليه في الرواية والعمل هو وهمه حين السماع حتى لو علم ذلك لترك روايته والعمل به. انتهى.
أقول: ما رواه مسلم عن عمر أنه قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): «إن الميت ليعذب ببكاء بعض أهله (1)» وما رواه عن ابن عمر أنه قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): «يعذب الميت ببكاء أهله» يحتمل أن يكون من قبيل القسم الأول وأن يكون من هذا القسم، ويؤيد الثاني ما رواه مسلم عن عائشة أنها خطأتهما في روايتهما وقالت: إنهما لم يكذبا ولكن السمع قد يخطئ والله ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة يهودي وهم يبكون عليه فقال: «أنتم تبكون وإنه ليعذب».
(ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ منسوخه) المأمور به أو المنهي عنه.
(ولم يحفظ الناسخ) لعدم سماعه إياه.
(ولو علم أنه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه) وعدم العلم بأنه منسوخ (2) علة لدخول الشبهة عليه وعلى المسلمين وهل حكم النسخ يثبت بالنزول أو

١ - راجع صحيح مسلم: ج ٣، ص ٤١ و ٤٢.
٢ - وقوع النسخ وإن كان ممكنا واقعا وثبت في الاصول ورد المانع ولكن يجب أن يعلم أنه قليل جدا، أما الأحكام الواردة في القرآن فلا نعلم فيها منسوخا إلا ثلاثة أحكام:
الأول: اعتداد المتوفى عنها زوجها حولا كاملا نسخ بأربعة أشهر وعشرة أيام.
والثاني: إيذاء الزاني والزانية وحبسهما نسخ بآية الحد.
والثالث: وجوب الصدقة لمن أراد النجوى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأما الأحكام الواردة في السنة فما نسخ منها بالقرآن كالتوجه إلى بيت المقدس نسخ بالتوجه إلى الكعبة فهي معلومة لا حاجة لنا إلى التكلم فيها، وأما نسخ السنة بالسنة أعني المتواترة أو نسخ المتواترة بالآحاد أو نسخ خبر الواحد بخبر الواحد بناء على حجية الآحاد فمما لم نقف له على مثال نطمئن به وإن كان فهو في غاية الندرة، ومما يجب إنكاره جدا نسخ الكتاب والسنة المتواترة بأخبار الآحاد وذلك لأنا مأمورون بعرض روايات الآحاد على الكتاب والسنة ورد ما خالفهما وإن كان نسخهما بخبر الواحد جائزا لم يفد عرضه عليهما فائدة وروى في النهاية عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): لا ندفع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول أعرابي يبول على عقبيه. ومما ادعى فيه النسخ قول النبي (صلى الله عليه وآله): «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» ولا يعلم صحتها، ومنه عند العامة حكم المتعة وثبت عندنا خلافه وعلى كل حال فكل حكم ثبت في الشرع بدليل قطعي أو ظني ثبتت حجته لا يجوز التوقف والتشكيك فيه لاحتمال كونه منسوخا بل الضرورة قاضية بأن الأصل عدم النسخ في الأحكام وأن ما ورد من أن في القرآن ناسخا ومنسوخا أو في الحديث لا يراد به إيجاد الشك والترديد في العمل بالكتاب والسنة وعدم الاعتماد عليهما كما هو ظاهر. (ش)
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»
الفهرست