شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٣١٦
به الموت يحدثني بما يجد وقد نزل بك؟ فحدثني بما تجد فقال: يا بني، لكأني في طحن، ولكأني أتنفس في سم الخياط ولكأن غصن شوك جر من قدمي إلى هامتي.
(وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله (1) فهذا أحد الأربعة) هذا من باب الإطناب بالإيغال وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها وهي الدلالة إلى أن سبب تقربهم بأئمة الضلال هو ما عليه أكثر الناس من ميل طبائعهم إلى الدنيا وحطامها الفانية وغفلتهم عن الآخرة ولذاتها الباقية، قال شارح نهج البلاغة: فيه إشارة إلى علة فعل المنافق لما يفعل وظاهر أن حب الدنيا هو الغالب على الناس من المنافقين وغيرهم لقربهم من المحسوس وجهلهم بأحوال الآخرة وما يراد بهم من هذه الحياة إلا من عصمه الله بالجذب في طريق هدايته إليه من محبة الامور الباطلة وفيه إيماء إلى قلة الصالحين كما قال تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) وقوله: (وقليل من عبادي الشكور) وإنما قال: «ثم بقوا بعده» وحكى حالهم مع أئمة الضلال وإن كانوا لم يوجدوا بعد إما تنزيلا لما لا بد منه من ذلك المعلوم له منزلة الواقع أو إشارة إلى من بقي منهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقرب إلى معاوية لأنه إذ ذاك إمام ضلالة.
(ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحمله على وجهه) أي لم يضبط ذلك الشيء المسموع كما سمعه.
(وهم فيه) بالزيادة أو النقصان أو بفهمه غير ما أراده (صلى الله عليه وآله) (2) والتعبير عما فهمه بعبارته، تقول:

١ - نقل العلامة (رحمه الله) في نهاية الاصول عن بعض العامة تعجبا من المحدثين أنهم يجرحون الراوي بأدنى سبب ومع علمهم بهذه القوادح يعني في الصحابة حيث كانوا يطعن بعضهم في بعض ويتبرأ بعضهم من بعض بل يقاتل بعضهم بعضا يقبلون روايتهم ويعملون برواية القادح والمقدوح فيه، قال: بل هؤلاء المحدثون أتباع كل ناعق وعبيد كل من غلب يروون كذا لأهل كل دولة في ملكهم، فإذا انقضت دولتهم تركوهم، انتهى.
وهذا كله لأن حب المال والجاه الذي دعاهم إلى التقرب من الخلفاء والسلاطين دعاهم أيضا إلى أن ينتسبوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويكثروا من ذكره وذكر حديثه ويظهروا أنهم تابعون له (صلى الله عليه وآله) في كل شيء ومتمسكون به لا بغير قوله حتى يشتهروا بذلك بين الناس ويزيد به جاههم ولذلك نرى أكثر المحدثين المكثرين في العامة من مقربي خلفاء بني مروان وأمثالهم في صدر الإسلام بخلاف الشيعة فإنهم كانوا محترزين منهم وكذلك المائلون إليهم من العامة. (ش) ٢ - قال العلامة (رحمه الله) في النهاية نقلا عن بعضهم ولعله النظام: ما كانت الصحابة يكتبون كلامه (صلى الله عليه وآله) من أوله إلى آخره لفظا لفظا وإنما كانوا يسمعونه ثم يخرجون من عنده وربما رووا ذلك الكلام بعد ثلاثين سنة ومعلوم أن العلماء الذين تعودوا تلفيق الكلام لو سمعوا كلاما قليلا مرة واحدة فأرادوا إعادته في تلك الساعة بعين تلك الألفاظ من غير تقديم وتأخير لعجزوا عنه فكيف بالكلام الطويل بعد المدة الطويلة من غير تكرار ولا كتبة ومن أنصف علم أن الألفاظ المروية ليست ألفاظه (عليه السلام) ثم بعد المدة الطويلة لا يمكن إعادة المعنى بتمامه، انتهى.
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»
الفهرست