شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٣١٣
ومما دل على وضع حديث الصب أن أبا بكر لم يكن عالما بكثير من معاني القرآن وأحكام الشرع باتفاق الامه وقد صرح الشيخ جلال الدين السيوطي بذلك في كتاب الإتقان حيث قال:
أخرج أبو عبيد في الفضائل عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر سئل عن قوله تعالى: (وفاكهة وأبا) فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. انتهى.
ومن البين أن الله تعالى صب معنى الأب في صدر نبيه (صلى الله عليه وآله) فلو كان الحديث المذكور صحيحا لكان أبو بكر أيضا عالما به. اللهم إلا أن يقولوا: إن أبا بكر كان عالما به ثم نسيه أو يقولوا لحفظ شأن أبي بكر إن النبي لم يكن عالما به. ولما بين وقوع الكذب والافتراء في الرواية شرع في قسمة رجال الحديث وقسمهم أربعة أقسام ليظهر أن الاختلاف في الرواية ليس بمجرد الكذب فقط بل لوجوه اخر مع ما فيه من الإشارة إلى أن كل راو لا يجوز الأخذ بقوله بل ينبغي الأخذ بقول الراوي العالم بشرائط صحة الرواية التي هي شرائط القبول فقال:
(وإنما أتاكم الحديث من أربعة) أي من أربعة رجال وأكد الحصر بقوله:
(ليس لهم خامس) وجه الحصر أن الراوي إما منافق مفتر للكذب أولا، والثاني إما أن لا يكون حافظا ضابطا للمسموع أو يكون، والثاني إما أن لا يكون عالما بما ينافي المسموع من النسخ والتخصيص وغيرهما أو يكون عالما به، فهذه أربعة أقسام على الترتيب المذكور.
فإن قلت: هنا قسم خامس وهو رجل معتقد بالإسلام افترى كذبا على الرسول (صلى الله عليه وآله) لغرض من الأغراض وتأثم منه فإنه ليس بداخل في الأقسام الأربعة، وقلت: هذا داخل في القسم الأول لأنه لما لم يعمل بمقتضى إيمانه فكأنه ليس بمؤمن ومع ذلك مظهر له فهو منافق وهذا كما يقال لمن لم يعمل بعلمه: لا علم له.
(رجل منافق) كشف عن معناه وأوضح حقيقته بقوله:
(يظهر الإيمان) شعارا له بإظهار الشهادتين أو بقوله: آمنا بالله وبرسوله.
(متصنع بالإسلام) أي متكلف له ومتدلس به ومتزين بحسن السمت وزي أهل الفلاح ومتلبس بهيئة أهل الخير والصلاح من غير أن يتصف بشيء من ذلك في نفس الأمر.
(لا يتأثم ولا يتحرج) العطف للتفسير والجملة حال عن فاعل يظهر أو خبر بعد خبر أي لا يعد آثما.
(أن يكذب) أي على أن يكذب أو في أن يكذب.
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»
الفهرست