شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٨
المقام، وإن كان تقديرها شاذا على أنه بدل ل‍ «فينا» أو مجرور على أنه بدل عن ضمير المتكلم إن جوز.
(في كل خلف) الخلف بالتحريك والسكون كل من يجيء بعد من مضى إلا أنه بالتحريك في الخير وبالتسكين في الشر يقال: خلف صدق وخلف سوء، والمراد في هذا الحديث المفتوح والمعنى في كل قرن وفي كل من جاء من الامة بعده (صلى الله عليه وآله)، ويحتمل بعيدا في كل ما يخلف عنه (صلى الله عليه وآله) من الأحاديث والعلوم.
(عدولا) أي امة وسطا لهم استقامة وثبات في منهج الحق وطريق الصدق من غير تحريف وجور وتقصير.
(ينفون عنه تحريف الغالين) أي المجاوزين فيه عن الحدود، والتحريف تغيير الكلام عن موضعه.
(وانتحال المبطلين) لاصول الدين وفروعه، يقال: فلان انتحل مذهب كذا إذا انتسب إليه، وانتحل قول غيره إذا ادعاه لنفسه، فالانتحال إما بمعنى الانتساب، أو بمعنى سرقة الشيء وإخراجه عن موضعه، والعدول من أهل البيت يحفظون بيت الشريعة ويمنعون المبطلين لأساسها المنتسبين إليها على وجه الباطل من الدخول فيها والتصرف فيها ويدفعون السارقين القاصدين لسرقة ما فيها من السرقة وتغيير الشيء من أصله وإخراجه عن وضعه.
(وتأويل الجاهلين) بعلوم الكتاب والسنة على وفق آرائهم الفاسدة وظنونهم الباطلة من غير أن يكون لهم في ذلك نص صريح أو خبر صحيح، وهؤلاء العدول الأئمة (عليهم السلام) الراسخون في العلم الذين يعلمون معالم التنزيل ووجوه التأويل بإعلام نبوي وإلهام إلهي، ويشاهدون الحقائق بعين اليقين لصفاء طينتهم وضياء سريرتهم وخلوص عقيدتهم وكمال بصيرتهم، واولئك أهل الذكر واولئك اولوا الألباب، وفيه دلالة على أن ميراث العلم انتقل إليهم أولا ثم بوساطتهم إلى من شاء الله هدايته، وعلى أن عصرا من الأعصار لا يخلو عن معصوم وعلى حجية الإجماع ومثل هذا روي من طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (1) (2).

١ - أخرجه البغوي في المصابيح ج ١، ص ٢٣، والبيهقي في كتاب المدخل مرسلا كما في مشكاة المصابيح - كتاب العلم.
٢ - قوله: «الغالي» هو من يجاوز الحد في الأئمة (عليهم السلام) ويقول فيهم ما لا يقولون في أنفسهم كالنبوة والالوهية، ولهم أحاديث منحولة نقلوها عن الأئمة (عليهم السلام)، وذكرهم علماء الرجال في كتبهم، و «المبطل» من له رأي باطل كالوعيدية والمجسمة والقدرية والحشوية، وبعضهم ينسب نفسه إلى الأئمة (عليهم السلام) ولهم أيضا روايات، وأما «الجاهل» فهو من لا معرفة له بالعلوم ولا يلتفت إلى القرائن، ويتكلم في كل حديث يسمعه بوجه يقتضيه جهله، يتبرؤون من أهل العلم والتحقيق، ويقعون فيهم، وإذا تتبعنا وجدنا ثلم الدين منحصرا في هؤلاء الثلاثة، ولا يقع بغيرهم ثلم يعتد به البتة، والغالي أيضا المتجاوز عن الحد في التقشف باسم الدين نظير الخوارج، والمبطل أهل البدعة، والجاهل معلوم.
وقوله: «لا يخلو عن معصوم» لقوله: فينا أهل البيت، ويدل على حجية الإجماع لأنا إذا رأينا الطائفة مجمعين على شيء علمنا أنه ليس باطلا; إذ لو كان باطلا لنفاه المعصوم، فإما أن يقبل قوله الجميع فيتفقون على الحق، وإما أن يقبله بعض فيحصل الخلاف، ولا يحتمل الاتفاق على الباطل. وقال المجلسي (رحمه الله) في البحار: ولا يخفى أن في زمان الغيبة لا يمكن الاطلاع على الإجماع; إذ مع فرض إمكان الاطلاع على مذاهب جميع الإمامية مع تفرقهم وانتشارهم في أقطار البلاد والعلم بكونهم متفقين على مذهب واحد لا حجة فيه، وهذا الاعتراض الذي ذكره المجلسي (رحمه الله) نقله العلامة (قدس سره) في النهاية من بعض من تقدم عليه، وأجاب بجواب كاف مقنع، وكأنه لم يره المجلسي (رحمه الله) فجدد الاعتراض. (ش)
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست