وعزل نفسه عن السلطنة والخلافة وترك تعليم الناس وإخراجهم من الضلالة والجهالة فهو ليس بعالم بالشريعة في الحقيقة، بل هو عالم خائن مفتون، والجاهل خير منه.
(والأتقياء حصون) المراد أن الأتقياء هم الذين يجتنبون عما كره الله تعالى ويتورعون عما نهاه ولا يحومون حول ما ليس فيه رضاه وهم مع ذلك يقومون بما أمرهم الله به خائفين وجلين، حصون الإسلام يدفع الله بهم عن أهله عذابه كما روي عن أبي جعفر الثاني قال: «إن الله ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء» (1)، وفي رواية اخرى: «لو أن عبدا بكى في امة لرحم الله عز وجل تلك الامة ببكاء ذلك العبد» (2)، ويرشد إليه قوله تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)، أو المراد أن الأتقياء حصون للشريعة الطاهرة; لأنهم يمنعون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، كما أن الحصون تمنع من أهلها صدمات المعاندين، أو لأن مواظبتهم على التقوى والورع وفعل الطاعات وترك المنهيات تؤثر في قلوب الناس تأثيرا عظيما فلا يقدمون على هتك أستار الشريعة وهدم أركانها ونقض حدودها، أو المراد أن الأتقياء حصون وجب على الناس الرجوع إليهم والدخول في حمايتهم عند الخوف من طوارق شبهات الحدثان وتوارد نوائب الزمان كما أنهم يتحصنون عند الخوف من الأعداء، أو المراد أن الأتقياء الموصوفين بالعلم والحلم والشجاعة والعدالة المحدودين بهذه الأركان المحاطين بهذه الحيطان حصون لا يتسلط عليهم عساكر الشيطان ولا يتطرق إليهم غوائل الزمان.
(والأوصياء سادة) السادة جمع السيد، على وزن فعيل أو فيعل، على اختلاف المذهبين، وأصلها سودة على فعلة بالتحريك، قلبت الواو ألفا، وسيد القوم أكبرهم وأكرمهم وأعظمهم وأميرهم الذي يرجعون إليه في جميع امورهم وينقادون له في أقواله وأفعاله، يعني أن أوصياء النبي (صلى الله عليه وآله) سادة الامة وكبراؤهم وعظماؤهم وامراؤهم وجب على الامة الأخذ بقولهم وفعلهم وأمرهم ونهيهم والانقياد لهم في امور الدنيا والآخرة لاختصاصهم بحق الولاية وانفرادهم في فضيلة الخلافة وامتيازهم بالوصية والوراثة، وتقدمهم بأمر إلهي وتأييد رباني، فلا يجوز لأحد التقدم عليهم في أمر من الامور، وللدلالة على هذا المعنى نسب (عليه السلام) السيادة إليهم، وإلا فما نسبه إلى العلماء والأتقياء فهو منسوب إليهم أيضا; لأنهم من أعاظم العلماء والأتقياء ورؤسائهم وكبرائهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.