شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٤
المبدئية، فلا ينافي ما ذكرناه آنفا، وإنما قال: «وما خلاهن فضل» ولم يقل: حرام لوجوه:
الأول: أن الحكم بالحرمة ليس كليا.
الثاني: أن للحاكم أن يمنع الناس عن الاشتغال بما لا ينفعهم كثيرا برفق وقول لين.
الثالث: الإشارة إلى أن العلم من حيث إنه علم ليس بحرام (1)، وإن تعلقت به الحرمة والدم فإنما هو باعتبار العمل والآثار المقصودة منه كعلم السحر والأعداد والموسيقى والنجوم وأمثالها.
أما الثلاثة الاولى فأعظم منافعها هو الاضرار بالغير والتفريق بين الأحبة والعناد، وأما علم النجوم فالزجر عنه (2) مع قوله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)، وقوله تعالى:
(والشمس والقمر بحسبان)، وقوله تعالى: (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)، وقوله تعالى: (والنجوم مسخرات بأمره)، فلوجوه ذكروها:
الأول: أن العلم بالنجوم وأحكامها وعددها على ما هي عليه في نفس الأمر لا يحصل إلا للأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وأما غيرهم فلا يحصل لهم إلا ظن وتخمين، فيكون الحكم بها حكما بظن بل بجهل، فيكون ذمه من جهة أنه جهل لا من جهة أنه علم، ويدل عليه بعض الأحاديث المروية في

1 - قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في اعتقاداته في ترغيب طالب العلم وما يطلب: «لا يبالي - يعني طالب العلم - أن يعده أهل الزمان وجهلة الدوران حشويا أو قشريا أو زاهدا خشكا أو ينسبونه إلى الجهل»، وقال: «ينبغي أن يبغى معلما مستأنسا بكلام أهل البيت (عليهم السلام) وأخبارهم معتقدا لها - إلى أن قال: - وينبغي أن يحصل نبذة من العلوم الآلية لافتقار علم الحديث إليها كعلم الصرف والنحو، وقليلا من المنطق، وقليلا من علم الاصول، وبعض الكتب الفقهية، ثم يبذل غاية الجهد في علم الحديث» انتهى.
وينبغي أن يكون علم الحديث مع تدبر وتفهم، لا حفظ الألفاظ، كما سيجيء إن شاء الله في حديث:
«ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم»، ومع ذلك فلا يوافقه أكثر العلماء، وما ذكره إنما هو وظيفة المحدث دون المفسر، والفقيه والمتكلم وغيرهم ممن بهم قوام أمر الدين. (ش) 2 - الآيات الكريمة تدل على مدح علم النجوم والترغيب فيه فلا بد أن يكون النهي واردا على شيء لا ينافي المدح والترغيب، والذي ذكره السيد المرتضى (رحمه الله) وجه جمع صحيح وبيناه في حواشي الوافي، وهو: أن الممدوح ما يتعلق بالتسييرات وضبط الحركات ومقادير الليل والنهار وعروض البلدان وأطوالها ومعرفة القبلة، وبالجملة ما يتعلق بالحساب وضبط المقادير والمنهي هو ما يتعلق بخواص الكواكب وأوضاعها وما هو معروف عندهم بعلم أحكام النجوم، والغرض منه التخرص على الغيب بغير علم ونهي عنه; لأنه لا دليل على ما ذكروه فيها، وهو تضييع للوقت بغير فائدة، وإنما يحرم الحكم بها على البت لا صرف تعلمها. (ش)
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»
الفهرست