منها (1)، والمراد بتقديرها وزنها وتحصيلها على قدر الكفاف من غير زيادة ونقصان وإسراف وتقتير; إذ الإسراف والتقتير مذمومان عقلا وشرعا، والنقصان يوجب فوات القدر المحتاج إليه في البقاء والعبادة، وطلب الزيادة يوجب تضييع العمر فيما لا يحتاج إليه، ولا تظن أن قوله (عليه السلام): «كل الكمال» من باب المبالغة، بل هو من باب الحقيقة; لأن كل كمال فرض غير ما ذكر، فهو إما داخل فيه أو تابع له أو مقدم عليه ومبدأ له، فإذا اتصف الإنسان بهذا الكمال صار حقيقا بأن يطير بأجنحته مع الملائكة المقربين، ويسير في عالم القدس مع الروحانيين، فيا عجبا من انحصار الكمال في هذا العصر في قول الزور والميل إلى دار الغرور!
* الأصل:
5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «العلماء امناء، والأتقياء حصون، والأوصياء سادة».
وفي رواية اخرى: «العلماء منار، والأتقياء حصون، والأوصياء سادة».
* الشرح:
(محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر) الجعفي الكوفي، قال العلامة: هو ثقة ممدوح، وحديثه أعتمد عليه.
(عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: العلماء امناء) الأمين هو المعتمد عليه الموثوق به فيما فوض أمره إليه، والعلماء امناء الله في بلاده وعباده وكتابه ودينه وحلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه ورخصه وعزائمه وعامه وخاصه ومحكمه ومتشابهه ومجمله ومفصله ومطلقه ومقيده وعبره وأمثاله; لكونهم حملة لكتابه وخزنة لأسراره وحفظة لأحكامه، منحهم الله تعالى ذلك وأعطاهم هذه المنزلة الشريفة التي هي الخلافة العظمى والرياسة الكبرى ليجذبوا العقول الناقصة من تيه الضلال إلى جناب حضرته ويخلصوا الخلائق عما التفتوا إليه من اتباع الشهوات الباطلة واقتناء اللذات الزائلة ويبعثوهم على أداء ما خلقوا لأجله بالتنبيه على عظمة نعم الله عليهم وكثرة إحسانه إليهم وترغيبهم فيما عند الله مما أعده لأوليائه وتحذيرهم عما أعد لأعدائه. وفي تعريف المبتدأ باللام دلالة على الحصر مثل قولنا: «الأمير زيد» عند قصد حصر الإشارة فيه، فمن حصل له صور المعقولات الكلية وملكة الاقتدار بها على الإدراكات الجزئية وجعلها وسيلة لاكتساب الزخارف الدنية الدنيوية بالتسويلات النفسانية والتدليسات الشيطانية ولم يتصف بفضيلة الديانة والأمانة