والباقين بعدها، وقيل: أراد بالسمع وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر الاعتبار بما يرى، وفيه فضل عظيم وشرف جسيم للعلماء وترغيب بليغ في تحصيل العلم.
(وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا) هذا ينافي ظاهرا ما دل من الآيات والروايات على إيراثهم. والجواب: أن المراد أن الأنبياء لم يكن من شأنهم وعاداتهم جمع الأموال والأسباب كما هو شأن أبناء الدنيا، وهذا لا ينافي إيراثهم ما كان في أيديهم من الضروريات كالمساكن والمركوب والملبوس ونحوها، أو المراد أن الأنبياء من حيث إنهم أنبياء لم يورثوا ذلك يعني أن إيراث النبوة ومقتضاها ليس ذلك.
(وإنما أورثوا أحاديث) الحديث في اللغة الخبر يأتي على القليل والكثير، ويجمع على أحاديث على غير قياس، وفي العرف قيل: هو ما يحكي قول النبي (صلى الله عليه وآله) أو فعله أو تقريره. وفيه: أنه لا يصدق على المسموع منه ومن العترة الطاهرة، وعلى ما يحكي قول العترة أو فعلهم أو تقريرهم. وقيل: هو ما يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره. وفيه: أنه لا يصدق على المسموع منه غير محكي عن مثله، والقول بأنه ليس بحديث باطل قطعا. وقيل: هو قول المعصوم أو فعله أو تقريره أو حكاية هذه الامور، وأما ما لا ينتهي إلى المعصوم وإن انتهى إلى صحابي أو من رأى صحابيا فليس بحديث عندنا.
(من أحاديثهم) «من» متعلق بأورثوا وصلة له، مثل قولهم: فلان أعطى من ماله كذا، أو للتبعيض على أنه صفة للأحاديث، أو حال عنها، والتبعيض يتحقق في أكثر الامة وإلا فأورثوا أوصياءهم (عليهم السلام) جميعها.
(فمن أخذ بشيء منها) أخذ دراية وفهم لا مجرد أخذ رواية ونقل; لأن هذا ليس من باب وراثة العلم وإن كان له فضل أيضا، إلا أنه دون فضل الأول; لأن أصحابه من خدمة العلماء.
(فقد أخذ حظا وافرا) لفضله وشرفه وكونه من تركة الأنبياء حتى يعد قليل منه خيرا من الدنيا وما فيها، ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا، وقد نقل شيخ العارفين بهاء الملة والدين عن بعض أصحاب الكمال في تحقيق معنى الآل كلاما يناسب ذكره في هذا المقام، وهو: أن آل النبي (عليهم السلام) كل من يؤول إليه، وهم قسمان:
الأول: من يؤول إليه أولا صوريا جسمانيا كأولاده ومن يحذو حذوهم من أقاربه الصوريين الذين يحرم عليهم الصدقة.
والثاني: من يؤول إليه أولا معنويا روحانيا، وهم أولاده الروحانيون من العلماء الراسخين والأولياء الكاملين والحكماء المتألهين المقتبسين من مشكاة أنواره، سواء سبقوه بالزمان أو