الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب، ويدل عليه قوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)، فقد جعل العلة الغائية من الفقه الإنذار والتخويف، ومعلوم أن ذلك لا يترتب إلا على هذه المعارف لا على معرفة فروع الطلاق والمساقاة والسلم وأمثال ذلك.
* الأصل:
4 - محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: «الكمال كل الكمال التفقه في الدين، والصبر على النائبة، وتقدير المعيشة».
* الشرح:
(محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى) الجهني البصري، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن والرضا (عليهم السلام)، ومات في حياة أبي جعفر الثاني (عليه السلام).
(عن ربعي بن عبد الله) بصري، ثقة.
(عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: الكمال كل الكمال) أي الكمال الكامل البالغ نهاية الكمال.
(التفقه في الدين) أي العلم بما نطق به لسان الشرع والاعتقاد بما يقصد منه الاعتقاد، والعمل بما يقصد منه العمل مع الاتصاف بالخوف والخشية كما قال سبحانه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، حيث جعل العلم موجبا لهما لتعلق الحكم على الوصف، فلو خلا العلم منهما لكان الجهل خيرا منه.
(والصبر على النائبة) أي حبس النفس عليها وترك الجزع والشكاية منها، وهي ما ينوب الإنسان، أي ينزل به من المهمات والحوادث والمصيبات، وقد نابه ينوبه نوبا وانتابه: إذا قصده مرة بعد مرة، والصبر عليها من خصال الأنبياء والأوصياء ثم الأمثل فالأمثل، ومن صبر على النوائب يرى منه العجائب ويشاهد منه الغرائب، ومن عود نفسه على المكاره والبلاء هانت له المصائب وعظم له الجزاء، ومن جملة ذلك الصبر على تحمل الطاعات وترك المنهيات، وهذا أفضل من الصبر على المصيبات.
(وتقدير المعيشة) في المغرب: معيشة الإنسان ما يعيشه من مكسبه، ومنها العياش، فقال: