شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٤٠
والانتقاش بالأسرار الغيبية والصور الكلية والجزئية وكيفية انشعابها وتفاصيلها، واستفاد بذلك الأحكام والوقائع والأخلاق وأحوال المبدأ والمعاد وغيرها من الفضائل الشرعية ومقاصدها من الكتاب والسنة والعادات النبوية، فهو عارف عالم عامل منطقه الصواب ولباسه الاقتصاد، مشيه التواضع وصفته الصبر في الضراء والسراء، والرجوع إلى الله في الشدة والرخاء، له قوة في دين، وشجاعة في لين، وإيمان في يقين، وحرص في علم، وعلم في حلم، وقصد في غنى، وخشوع في عبادة، وتحمل في زهادة، وهو معلم العلوم والآداب النفسانية، ومأخذ جميع الكمالات ورسوم الحقيقة الإنسانية، قد أغناه الله تعالى بعلمه الكامل عن علم غيره من الامة لوجوب رجوع جميعهم إليه، فلو انعكس لزم أن يصير الرئيس مرؤوسا والأمير مأمورا والحاكم محكوما، ذلك يبطل نظام العالم.
(وجاهل مدع للعلم لا علم له معجب بما عنده) من المفتريات التي اكتسبها رأيه الفاسد، أو أخذها من جاهل آخر، والجهل على قسمين: أحدهما عدم الاعتقاد بشيء لا اعتقادا صالحا ولا اعتقادا فاسدا، ويقال له: الجهل البسيط والغباوة. والثاني: الاعتقاد بشيء اعتقادا فاسدا، ويقال له:
الجهل المركب والغي والغواية والضلالة، وهذا أشد من الأول; لأنه من الأمراض المهلكة للحياة القلبية والأسقام المبطلة للحقيقة الإنسانية; إذ المتصف به لا علم له مع ادعائه أن ذلك الاعتقاد الفاسد علم مطابق للواقع، وإعجابه به لتسويلات شيطانية وتخيلات نفسانية وتمويهات وهمية فيمنعه ذلك عن الرجوع إلى الحق وهو من شرار الناس رماه إبليس إلى غاية مقاصده بقول الزور وحداه إلى سبيل المهالك وأودية الشرور.
(قد فتنته الدنيا وفتن غيره) الفاتن المضل عن الحق يعني قد أضلته الدنيا عن طريق الهداية بزهراتها، وقادته إلى سبيل الغواية بثمراتها، وزينت في نفسه حب الجاه والرياسة، وروجت فيها صفة الدناءة والخساسة، فجعل ما اكتسبه من الأباطيل وسيلة إلى تحصيل المشتهيات الدنية الزائلة وما اقترفه من الأقاويل ذريعة إلى تكميل المستلذات الخسيسة الباطلة فضل عن سواء السبيل وأضل غيره ممن اقتدى به من أهل الجهالة والبطالة، الذين طبائعهم مائلة إلى الفساد والعناد، وقلوبهم غافلة عن أحوال المبدأ والمعاد، فارتدوا بصرصر إضلاله عن منهج الصواب، واجتهدوا بنداء الغواية في الرجوع إلى الأعقاب، اولئك هم شر البرية، وعن قليل يتبرأ التابع من المتبوع، والقائد من المقود، فيتفارقون للبغضاء ويتلاعنون عند اللقاء.
(ومتعلم من عالم على سبيل هدى من الله ونجاة) من عذاب الآخرة، أو من فتنة الدنيا، والظرف - أعني على ومدخولها - صفة أو حال لمتعلم أو لعالم، وهذا القسم هو الفرقة الناجية
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»
الفهرست