الثالث: أنه إذا نهى الناس عن امور وهو فاعلها فلهم أن يقولوا: ليست متابعتنا لقولك أولى من متابعتنا لفعلك، فلا يحصل لهم الاعتقاد بقوله نظير ذلك من منع الناس عن أكل الطعام وقال: إنه سم مهلك، ومع ذلك هو حريص على أكله سخر به الناس واتهموه ويزاد حرصهم عليه وقالوا: لولا إنه ألذ الطعوم وأطيبها لما كان يستأثر به ويمنعنا عنه. ثم الظاهر أن هذا الحكم أكثري; إذ قد يكون قلب بعض السامعين في قبول الضياء وشدة الاستعداد بحيث يقبل من الواعظ وإن لم يكن الواعظ عاملا كما يشعر به الحديث المذكور في أول هذا الباب، وإنما قلنا الظاهر ذلك لاحتمال أن يكون إقبال بعض السامعين إلى العمل لأجل رقة قلبه وصفاء طينته وميله بالذات إلى العمل الصالح لا لأجل تأثير موعظة ذلك الواعظ التارك لعلمه فيه.
* الأصل:
4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) فسأله عن مسائل فأجاب، ثم عاد ليسأل عن مثلها فقال علي بن الحسين (عليه السلام): «مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما تعلمون ولما تعملوا بما علمتم، فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفرا، ولم يزدد من الله إلا بعدا».
* الشرح:
(علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري) اسمه سليمان بن داود.
(عن علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) فسأله عن مسائل) أي عن مسائل متعلقة بالعمل بقرينة السياق.
(فأجاب، ثم عاد ليسأل عن مثلها) أي عن مسائل مماثلة لها في تعلقها بالعمل.
(فقال علي بن الحسين (عليه السلام): مكتوب في الإنجيل) فيه تنبيه على أن الحكم الآتي غير مختص بهذه الشريعة، بل كان في الشرائع السابقة أيضا.
(لا تطلبوا علم ما تعلمون ولما تعملوا بما علمتم) أي الأولى والأنسب بحالكم ترك طلب العلم إذا تركتم العمل بما علمتموه، وفيه دلالة على امور:
الأول: جواز ترك التعليم إذا لم يعمل المتعلم بما علمه، والنهي عنه في بعض الروايات مقيد بما إذا كان المتعلم عاملا.
الثاني: أن ذلك الرجل السائل لم يعمل بما سأل عنه من المسائل، فكأن مجلس السؤال كان متعددا كما يشعر به لفظ «ثم»، ومضى وقت العمل بها، وإلا فلا وجه لزجره عن السؤال.
الثالث: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكونا بالرفق ولين القول.