شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٤٦
عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: بم يعرف الناجي؟) أي الناجي في الدنيا من سبيل الضلالة، وفي الآخرة من العذاب والبعد عن الرحمة، وإنما سأل عنه ليعرفه ويتمسك بذيل هدايته وإرشاده ويختار ملازمته ومجالسته ليتأدب بآدابه، والناجي المطلق هو الحكيم الكامل في ذاته وصفاته، أعني من قطع عالم المحسوسات بقدم الفكر ونظر إليها بعين التبصر وشاهد عالم المعقولات بعين البصيرة ولحظ إليها بنور التفكر ميز بين صحيحها وسقيمها وجيدها ورديها ومنافعها ومضارها والتزم محاسنها، وهو في جميع ذلك يقلد القوة الشهوية المسماة بالنفس البهيمية، والقوة الغضبية المسماة بالنفس السبعية بقلادة الطاعة والقياد ويعطي حظهما من جلب المنافع ودفع المضار على وجه الاعتدال ويمنعهما عن التوجه إلى ما لا يليق به ويغريهما إلى التعرض فيما ينبغي، وهكذا يسير بحزم واحتياط إلى أن يرفض عنه الهويات الجسمانية ويلبس لباس التجريد ويملك الحقيقة الإنسانية وينزل في عالم التوحيد ويصير من أولياء الله وأصفيائه ويرتفع الحجاب حينئذ بينه وبين المعبود الحق وله علامات يعرف بها في عالم الغيب وعلامات في عالم الشهادة، أما الاولى فمنها أنه في نظر الروحانيين كبدر يسير في الليلة الظلماء بل كشمس يتلألأ نوره في الأرض والسماء ويعرفه بذلك الملائكة المقربون، ويقولون: هذا نور فلان يسير في ظلمات الدنيا إلى حضرة القدس، فيستقبلونه بروح وريحان، ويبشرونه بنعيم ورضوان، ويمسحونه، وربما يجد في نفسه بل في ظاهر بدنه لذة لمسهم وأثر مسحهم، ولولا الحكمة الإلهية في إخفاء هذه الكرامة لرأى ما تقر به عينه.
وأما الثانية فمنها خفية ومنها جلية، أما الخفية فهي مختصة بالخواص والزهاد، فإنهم يعرفونه لنور بصائرهم، وخلوص ضمائرهم وصفاء طينتهم وضياء عقيدتهم بمجرد ملاحظة سيماء وجهه ومشاهدة نورية ذاته وإن لم يشاهدوا كيفية أعماله وأقواله، فإنه نور محض في الواقع ينعكس نوره إلى قلوب صافية.
وأما الجلية فهي عامة يعرفها الخواص وغيرهم، فلذلك أشار إليها (عليه السلام) لعموم نفعها حيث قال:
(قال: من كان فعله لقوله موافقا) يعني من كان قوله في كل باب يتقوله صحيحا حقا غير مشوب بالباطل، ومن كان فعله موافقا لقوله في الصواب، وهو الحكيم الكامل; إذ الأول يدل على اتصافه بالحكمة النظرية وتنور قلبه بنور الحقائق والمعارف اليقينية; لأن اللسان دليل القلب فاستقامته تدل على استقامة القلب.
والثاني: يدل على اتصافه بالحكمة العملية وغلبته على القوة الشهوية والغضبية.
(فأثبت له الشهادة) الفاء لجواب الشرط، وأثبت من الإثبات، إما أمر أو ماض معلوم، أو ماض
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست