وتكذيبهم به (1).
قال في الكشاف: بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن وفاجأوه في بديهة السماع قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره، وقبل أن يتدبروه ويقفوا على تأويله ومعانيه، وذلك لفرط نفورهم على تخالف دينهم وفرارهم عن مفارقة دين آبائهم كالناشي على التقليد من الحشوية إذا أحس بكلمة لا توافق ما نشأ عليه وألفه وإن كانت أضوء من الشمس في ظهور الصحة وبيان استقامتها أنكرها في أول وهلة واشمأز منها قبل أن يحس إدراكها بحاسة سمعه من غير فكر في صحة أو فساد; لأنه لم يشعر قلبه إلا صحة مذهبه وفساد ما عداه من المذاهب.
أقول: الآية وإن نزلت لذم المتسرعين إلى التكذيب بالقرآن قبل أن يتدبروا في نظمه الذي يعجز عن مثله مصاقع الخطباء وأن يتفكروا في معناه الذي يقصر عن الوصول إلى كنه حقائقه عقول العلماء لكن يندرج فيها باعتبار عموم اللفظ ذم من يتسرع إلى الرد والتكذيب بالأحاديث النبوية والروايات المنقولة عن الأئمة الطاهرين ولو بواسطة وغير ذلك من الامور الدينية قبل أن يعلم ذلك ويتدبر في معناه ويتفكر من مغزاه ويتأمل في صحة مضمونه ومؤداه كالناشي على الدين الباطل من مخالفينا المنكرين لكون الخلافة بالنص مع أن النصوص الواردة في كتبهم كثيرة ولكنهم لما لم يتدبروا فيها ولم ينصفوا من أنفسهم وقلدوا الآباء والأسلاف وعاندوا الحق ونشأوا على الباطل ردوها من غير علم بتأويلات فاسدة ومزخرفات باطلة تضحك عليهم العقول الكاملة ويسخر بهم القلوب الخالصة، وكبعض المجتهدين الذي يعتمد برأيه فتارة يحكم بشيء ويعمل به ويحمل غيره عليه، وتارة يرجع عن رأيه ويحكم بضد ذلك الشيء، وأحد هذين الحكمين كذب وافتراء لا محالة، فكأنه لم يسمع قوله تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع قليل ولهم عذاب أليم)، فوجب على كل عاقل متدين أن يقول ما يعلمه ولايرد ما لا يعلمه ويسكت ويطلب حقيقة