شبها بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامله (1). إذا تأملت بمضمون هذا الكلام علمت أكثر الناس حري بكتمان الحكمة عنه، وكذلك كتمها جميع الأئمة والأنبياء (عليهم السلام) كما يظهر لمن تفكر في آثارهم ثم بناء التقية على الكتمان والتقية دين الله أمر بها عباده.
وقال بعض الأكابر ونعم ما قال: صدور الأبرار قبور الأسرار.
(ولا تمنعوها أهلها) وهم الطالبون لها، المستعدون لإدراكها، والجاعلون لها وسيلة لإدراك السعادة الدنيوية والاخروية (2) فتظلموهم; لأن تعليمها من حقوقهم ومن منع أحدا حقه فقد ظلمه، وينبغي أن يعلم أن العقول متفاوتة تفاوتا فاحشا في الضياء واستعداد العلوم وقبولها فبعضها لا يكون له نور واستعداد للعلوم أصلا، وبعضها له استعداد لبعض العلوم دون بعض، وبعضها له استعداد إلى حد لا إلى ما فوقه من اللطائف والدقائق (3)، وبعضها له استعداد لجميع العلوم وما فيه من الدقة والغموض والمعلم الحكيم ينبغي أن يراعي حال العقول وتفاوت مراتبها ويمنع العلم من يستحق المنع ويعلمه من يستحق التعليم ويضع كل عقل في موضعه ولا يتجاوز عنه لئلا يورده في مورد الهلكة، فإن من حمل أربعين منا على بعير لا يقدر إلا على حمل عشرين منا فقد أهلكه ومن بدل الشعير بالحنطة في الفرس فقد ضيعه يدل على ما ذكرنا قوله (صلى الله عليه وآله): «ما من أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم (4)، وقوله: «نحن معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم» (5).