شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٢٠
شبها بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامله (1). إذا تأملت بمضمون هذا الكلام علمت أكثر الناس حري بكتمان الحكمة عنه، وكذلك كتمها جميع الأئمة والأنبياء (عليهم السلام) كما يظهر لمن تفكر في آثارهم ثم بناء التقية على الكتمان والتقية دين الله أمر بها عباده.
وقال بعض الأكابر ونعم ما قال: صدور الأبرار قبور الأسرار.
(ولا تمنعوها أهلها) وهم الطالبون لها، المستعدون لإدراكها، والجاعلون لها وسيلة لإدراك السعادة الدنيوية والاخروية (2) فتظلموهم; لأن تعليمها من حقوقهم ومن منع أحدا حقه فقد ظلمه، وينبغي أن يعلم أن العقول متفاوتة تفاوتا فاحشا في الضياء واستعداد العلوم وقبولها فبعضها لا يكون له نور واستعداد للعلوم أصلا، وبعضها له استعداد لبعض العلوم دون بعض، وبعضها له استعداد إلى حد لا إلى ما فوقه من اللطائف والدقائق (3)، وبعضها له استعداد لجميع العلوم وما فيه من الدقة والغموض والمعلم الحكيم ينبغي أن يراعي حال العقول وتفاوت مراتبها ويمنع العلم من يستحق المنع ويعلمه من يستحق التعليم ويضع كل عقل في موضعه ولا يتجاوز عنه لئلا يورده في مورد الهلكة، فإن من حمل أربعين منا على بعير لا يقدر إلا على حمل عشرين منا فقد أهلكه ومن بدل الشعير بالحنطة في الفرس فقد ضيعه يدل على ما ذكرنا قوله (صلى الله عليه وآله): «ما من أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم (4)، وقوله: «نحن معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم» (5).

١ - النهج - الحكم والمواعظ، تحت رقم ١٤٧.
٢ - في زماننا بل في كل زمان اناس ناقصوا الإدراك يزعمون أن كل شيء لا يفهمه أمثالهم فهو أباطيل وأوهام ملفقة وخيالات مزخرفة، والحقيقة هي ما يفهمه جميع الناس مما ينحصر في منال الحواس وأن عالم الملكوت وهم وولاية الأئمة (عليهم السلام) غلو وتهذيب النفس حتى يصل إلى مقام القرب مزلة والحديث صريح في ردهم وأن في الحقيقة امورا لا يدركها أكثر الناس ولا يجوز منع الأقل لإنكار الأكثر. (ش) ٣ - تراهم ينكرون المعارف ولا يستدلون على إنكارهم إلا بأنهم لا يفهمونه وللدجالين منهم حيلة عجيبة يركبون ألفاظا شبيهة بألفاظ العرفاء وكلمات مشابهة لعبارات الحكماء من غير أن يكون لها معنى وأنت إذا فتشت كتب السيد الرشتي وأمثاله كشرح حديث عمران الصابي والخطبة التتنجية لم تجد فيها سوى ألفاظ كما ذكرنا، وإن قيل لهم: هذه مما لا يفهمه أحد تمثلوا بكلمات العرفاء. والجواب: أن كلامكم لا معنى له وكلامهم له معنى خفي على بعض ومثلهم كعربي فصيح يتكلم بعربية صحيحة لا يفهمها العجم ومثلكم كرجل مستهزىء يلفق ألفاظا شبيهة بكلمات العرب لا يفهمها العرب ولا العجم. (ش) 4 - أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه ص 9، بأدنى اختلاف في لفظه.
5 - رواه الكليني في كتاب العقل، وفيه: «إنا معاشر الأنبياء...» الحديث.
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست