تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٢
النفس والشهيق رده انتهى. وقال الراغب في المفردات، الزفير تردد النفس حتى ينتفخ الضلوع منه. وقال: الشهيق طول الزفير وهو رده والزفير مده، قال تعالى: " لهم فيها زفير وشهيق " " سمعوا لها تغيظا وزفيرا " وقال تعالى: " سمعوا لها شهيقا " وأصله من جبل شاهق أي متناهي الطول. انتهى.
والمعاني - كما ترى - متقاربة وكان في الكلام استعارة، والمراد أنهم يردون أنفاسهم إلى صدورهم ثم يخرجونها فيمدونها برفع الصوت بالبكاء والأنين من شده حر النار وعظم الكربة والمصيبة كما يفعل الحمار ذلك عند نهيقه.
وكان الظاهر من سياق قوله: " فمنهم شقي وسعيد " أن يقال بعده: فأما الذي شقي ففي النار له فيها زفير وشهيق " الخ " لكن السياق السابق عليه الذي افتتح به وصف يوم القيامة أعني قوله: " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " مبني على الكثرة والجماعة، ومقتضاها المضي على هيئة الجمع: الذين شقوا والذين سعدوا، وأنما عبر بقوله، شقي وسعيد لما قيل قبله: " لا تكلم نفس " فاختير المفرد المنكر ليفيد النفي بذلك الاستغراق والعموم فلما حصل الغرض بقوله: " لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد " عاد السياق السابق المبني على الكثرة والجماعة فقيل: " فأما الذين شقوا " بلفظ الجمع إلى آخر الآيات الثلاث.
قوله تعالى: " خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ". بيان لمكث أهل النار فيها كما أن الآية التالية: " وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ " بيان لمكث أهل الجنة فيها وتأييد لاستقرارهم في مأواهم.
قال الراغب في المفردات: الخلود هو تبري الشئ من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التي هو عليها، وكل ما يتباطأ عنه التغيير والفساد يصفه العرب بالخلود كقولهم للأثافي (1): خوالد وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها يقال: خلد يخلد خلودا، قال تعالى:
" لعلكم تخلدون " والخلد - بالفتح فالسكون - اسم للجزء الذي يبقى من الانسان على

(1) الأثافي، جمع الأثفية بضم الهمزة وهي الحجر الذي توضع عليه القدر وهما أثفيتان.
(٢٢)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»
الفهرست