قلت: ولا يخفى ما في إطلاق الدرر، فإن المانع قد يكون خروج الهبة من ملكه ثم تعود بسبب جديد، وقد يكون للزوجية ثم تزول، وفي ذلك لا يعود الرجوع كما صرحوا به فيما إذا بنى في الدار ثم هدم البناء، وفيما إذا وهبها لآخر ثم رجع. ولعل المراد زوال المانع العارض، فالزوجية وإن زالت لكنها مانع من الأصل والعود بسبب جديد بمنزلة تجدد ملك حادث من جهة غير الواهب فصارت بمنزلة عين أخرى غير الموهوبة، بخلاف ما إذا عادت إليه بما هو فسخ هذا ما ظهر لي، فتدبره. أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
وكتب الطحطاوي: لا يظهر في الزوجية والقرابة وهلاك العين والموت والعوض، لأنه بيع انتهاء. وأما الخروج عن الملك فيزول إذا عاد إليه بفسخ. تأمل ا ه.
والحاصل: أن ما يمكن زواله من الموانع السبعة الزوجية والزيادة والعوض والخروج عن ملكه فبزوال الزوجية لا يعود الرجوع، وبزوال الثلاثة الباقية يعود الرجوع على ما فيه من التفصيل. قوله:
(وضمن المستحق الموهوب) ضمن بتشديد الميم فعل ماض، والمستحق فاعله والموهوب مفعوله. قوله:
(لأنها عقد تبرع) أي وهو غير عامل له. قوله: (فلا يستحق فيه السلامة) أي في عقد التبرع، وهكذا حال المستعير، بخلاف عقد المعاوضة، لان عقود المعاوضات يثبت فيها الغرور، فللمشتري الرجوع على بائعه، وكذا بكل عقد يكون للدافع كالوديعة، والإجارة إذا هلكت الوديعة أو العين المستأجرة ثم جاء رجل واستحق الوديعة والمستأجرة وضمن المودع والمستأجر فإنهما يرجعان على الدافع بما ضمنا، وكذا كل ما كان في معناهما.
والحاصل: أن المغرور يرجع بأحد أمرين إما بعقد المعاوضة أو بعقد يكون للدافع كما في المنح، وقد انتفى الثاني هنا كما قال، لان قبض المستعير والمتهب كان لنفسه، وقد عقد في الخانية فصلا لمسائل الغرور من البيع فراجعه، وذكر في الذخيرة أن الواهب لو ضمن سلامة الموهوب للموهوب له نصا يرجع على الواهب. قوله: (ولا غرور) أي موجب للضمان، لأنه يكون موجبا بأحد أمرين وقد انتفيا هنا، وكان حق العبارة أن يقول: ولا غرور لان قبض المستعير الخ، لان الغرور إنما يكون معتبرا بقبضه للدافع أو بعقد المعاوضة. قوله: (لعدم العقد) أي عقد المعاوضة، وإلا فالإعارة والهبة لا بد فيهما من عقد. قوله: (فيشترط التقابض) أي في المجلس مطلقا أو بعده، بإذنه مسكين ولا يثبت بها الملك قبل القبض، ولكل واحد أن يمتنع من التسليم، وكذا لو قبض أحدهما فقط فلكل الرجوع القابض وغيره سواء كما في غاية البيان. قوله: (في العوضين) أي في العين الموهوبة والعوض عنها، أما إذا كان العوض غير مشروط فهي هبة ابتداء وانتهاء فلا يثبت لها أحكام البيع، وإن امتنع الرجوع حيث قال له: خذه عوض هبتك ونحوه. قوله: (ويبطل العوض بالشيوع فيما يقسم) هو مبني على اشتراط التقابض، لان القبض لا يتم مع الشيوع فيما يقسم. قوله: (بيع انتهاء) أي إذا اتصل القبض بالعوضين. غاية البيان وهذا عندنا، وعند زفر والشافعي بيع ابتداء وانتهاء لان العبرة للمعاني، ولنا أنه اشتمل على جهتين فيجمع بينهما ما أمكن عملا بالشبهين، وتمامه في الدرر.