وهذا عين ما فهمته بحد الله تعالى من أن المراد بالصريح في الجملة الثانية الصريح الرجعي فقط، وقوله: إلا أن يدعي الفرق الخ قد علمت مما قررناه أولا عدم الفرق فإنه لا شبهة فيه لذي فهم، والله سبحانه أعلم. قوله: (إذا أمكن الخ) قيد في عدم لحاق البائن البائن، ومحترزه ما أفاده بقوله بخلاف أبنتك بأخرى الخ ط.
قال في البحر: وينبغي أنه إذا أبانها ثم قال لها أنت بائن ناويا طلقة ثانية أو تقع للثانية بنيته لأنه ينبته لا يصلح خبرا، فهو كما لو قال أبنتك بأخرى، إلا أن يقال: إن الوقوع إنما هو بلفظ صالح له وهو أخرى، بخلاف مجرد النية اه. وفيه أن اللفظ الثاني صالح، ولو أبدل صالح بمعين له لكن أظهر ط.
أقول: ويدفع البحث من أصله تعبيرهم بالامكان، وبأنه لا حاجة إلى جعله إنشاء متى أمكن جعله خبرا عن الأول لأنه صادق بقوله أنت بائن، على أن البائن لا يقع إلا بالنية، فقولهم البائن لا يلحق البائن لا شك أن المراد به البائن المنوي، إذ غير المنوي لا يقع به شئ أصلا، ولم يشترطوا أن ينوي به الطلاق الأول.
فعلم أن قولهم إذا أمكن الخ احتراز عما إذا لم يمكن جعله خبر كما في أبنتك بأخرى، لا عما إذا نوى به طلاقا آخر فتدبر. وأما اعتدي اعتدي فإنه ملحق بالصريح كما تقدم، فلا ينافي ما هنا حيث أوقعوا به مكررا. تأمل. قوله: (كأنت بائن بائن) كذا في بعض النسخ مكررا، وفي بعضها كأنت بائن بدون تكرار وهو الأصوب، لان المقصود، التمثيل لايقاع البائن على المبانة، ولأنه كما قال ط: ليس المراد الاخبار النحوي بل الاخبار عما صدر أولا، ولأنه يوهم أن يلزم كونه في مجلس واحد وهو غير لازم اه. قوله: (أو أبنتك بتطليقة) عطف على بائن الثانية: أي أنت بائن أبنتك بتطليقة اه ح. وأشار به إلى أنه لا يشترط اتحاد اللفظين، فشمل ما إذا كان الأول بلفظ الكناية البائنة أو الخلع أو الطلاق الصريح إذا كان على مال، أو موصوفا بمعنى ينبئ عن البينونة كما علم مما قدمناه بعد كون الثاني بلفظ الكناية البائنة كالخلع ونحوه مما يتوقف على النية ولو باعتبار الأصل كأنت حرام، بخلاف الكناية الرجعية فإنها في حكم الصريح فتلحق البائن كما مر. قوله: (فلا يقع) أي وإن نوى، لما في البحر عن الحاوي: ولا يقع بكنايات الطلاق شئ وإن نوى اه. قوله: (لأنه إخبار) أي يجعل إخبارا لأنه أمكن ذلك. قوله: (بخلاف أبنتك بأخرى) أي لو أبانها أولا ثم قال في العدة أبنتك بأخرى وقع، لان لفظ أخرى مناف لامكان الاخبار بالثاني عن الأول. قوله: (أو أنت طالق بائن) لان وقوعه بأنت طالق وهو صريح، ويلغو قوله: بائن لعدم الحاجة إليه، لان الصريح بعد البائن بائن، كذا في شرح المنار لصاحب البحر، وهو إشارة إلى ما ذكره البحر عن الذخيرة من الفرق بين هذا وبين قوله للمبانة أبنتك بتطليقة وهو أنه إذا ألغينا بائنا يبقى قوله طالق وبه يقع، ولو ألغينا أبنتك يبقى قوله بتطليقة وهو غير مفيد اه.
قلت: لكن يشكل عليه ما قطعناه في باب طلاق غير المدخول بها أن الطلاق متى قيد بعدد أو وصف أو مصدر فالوقوع بالقيد، حتى لو قال: أنت طالق وماتت قبل قوله ثلاثا أو بائن لم يقع، فهذا ينافي ما أطبقوا عليه من إلغاء الوصف هنا، إلا أن يجاب بأن اعتبار الوقوع به هنا لا يصح