وجه لبقاء الاستمتاع اه. فهذا صريح في أن المراد بالصريح في الجملة الثانية هو الصريح الرجعي، إذ لا يخفى أن بقاء النكاح من كل وجه وبقاء الاستمتاع لا يكون بعد الصريح البائن.
ومنها: ما قدمناه من قول المنصوري: وإن كان الطلاق رجعيا يلحقها الكنايات، لان ملك النكاح باق، فتقييده بالرجعي دليل على أن الصريح البائن لا يلحقه الكنايات، وكذا تعليله دليل على ذلك.
ومنها: ما في التاترخانية قبيل الفصل السادس: ولو طلقها على مال أو خلعها بعد الطلاق الرجعي يصح، ولو طلقها بمال ثم خلعها في العدة لا يصح اه.
فانظر كيف فرق بين الرجعي والصريح البائن وهو الطلاق على مال، حيث جعل الخلع واقعا بعد الأول لا بعد الثاني، فهذا صريح فيما قلناه من أن المراد بالصريح هنا الرجعي فقط، وبالبائن الأول ما يشمل البائن الصريح.
ومنها: فرعان ذكرهما في البحر: الأول ما في القنية عن الأوزجندي: طلقها على ألف فقبلت ثم قال في عدتها أنت بائن لا يقع ا. والثاني ما في الخلاصة من الجنس السادس من الخلع: لو طلقها بمال ثم خلعها في العدة لم يصح اه. فهذا أيضا صريح فيما قلناه، وبه سقط مال في البحر وتبعه في النهر من استشكاله الفرعين بناء على فهمه أن المراد بالصريح ما يشمل الصريح البائن.
قال: وقد جعلوا الطلاق على مال من قبيل الصريح، وقالوا: إن البائن يلحق الصريح فينبغي الوقوع في الفرع الأول وصحة الخلع في الفرع الثاني. ثم قال في البحر ولا مخلص إلا بكون المراد بعدم صحة الخلع عدم لزوم المال، والدليل عليه أن صاحب الخلاصة صرح في عكسه، وهو ما إذا طلقها بمال بعد الخلع أنه يقع ولا يجب المال، ولا فرق بينهما كما لا يخفى اه.
أقول: وهذا عجيب من مثله، أما أولا فلا المراد بالصريح في الجملة الثانية هو الرجعي فقط، بخلاف الصريح في الجملة الأولى كما دل عليه ما ذكرناه من تعليلاتهم وفروعهم، وعليه فلا إشكال في الفرعين أصلا، بل هما دليلان على ما قلناه، وأما الثانية فلان ما ذكره من المخلص بعيد جدا، بل المخلص ما قلناه، وأما ثالثا فلان دعواه عدم الفرق بين هذا الفرع وعكسه كما لا يخفى في غاية الخفاء للفرق الواضح بينهما، لأنه إذا طلقها بمال بعد الخلع إنما لا يجب المال، لان إعطاء المال لتحصيل الخلاص المنجز وأنه حاصل كما قدمنا بيانه. أما إذا طلقها على مال قبل الخلع فلا وجه لسقوط المال، لان الطلاق بدونه لا يحصل به الخلاص المنجز بل يتوقف إلى انقضاء العدة، فقد حصل بالمال ما هو المطلوب به ولا يبطل بالخلع العارض بعده بعد تحقق المطلوب به، بل يبطل الخلع نفسه، لان الخلاص المنجز حاصل قبله فلا يفيد. هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المقام، الذي زلت فيه أقدام الافهام، فاغتنمه فإنه من جملة ما اختص به هذا الكتاب، بعون الملك الوهاب.
ثم رأيت في الحواشي اليعقوبية على صدر الشريعة ما نصه: وأيضا قولهم والبائن الغير الصريح يلحق الصريح ينبغي أن لا يكون على إطلاقه، لأنه لا يلحق الصريح البائن لاحتمال الخبرية عن الأول كما لا يخفى، إلا أن يدعي الفرق بين البائنين فلا يصح الخبر بأحدهما عن الآخر اه.