قوم أبيها ومن الأجانب فلا يخالف ما في الخلاصة والمنتقى أيضا، لان كلامهما في مهر المثل وهو لا يكون إلا عند وجود المماثل، فيتوقف ثبوته على الشهادة أو الاقرار. أما عند عدم المماثل يكون تقديريا لمهر المثل جاريا مجراه لا عينه، فينظر فيه القاضي نظر تأمل واجتهاد، فيحكم به بدون شهود وإقرار من الزوج، فموضوع الكلامين مختلف كمالا يخفى. وعلى هذا لا يتأتى أيضا فيه زيادة أو نقصان، إذ لا يمكن ذلك إلا عند وجود المماثل، ولكن حمل كلام المحيط على ما ذكر ينافيه ما قدمناه عن البدائع من أن المراد حكم بمهر المثل، وكذا ما نذكره قريبا عن الصيرفية من أنه عدم المماثل لا يعطي لها شئ، ولا يمكن حمله على حالة التراضي، لما علمت من كلام البدائع، ولأنه عند وجود التراضي يستغنى عن الترافع إلى القاضي وعند عدم وجود الشاهدين، فالقول للزوج بيمينه كما مر ويأتي، فيحكم لها القاضي بما يحلف عليه، فاغتنم هذا التحرير والله الموفق.
قوله: (فإن لم يوجد) أي من يماثلها في الأوصاف المذكورة كلها أو بعضها. بحر. ومقتضاه الاكتفاء ببعض هذه الأوصاف، وبه صرح في الاختيار بقوله: فإن لم يوجد ذلك كله فالذي يوجد منه لأنه يتعذر اجتماع هذه الأوصاف في امرأتين، فيعتبر بالموجود منها لأنها مثلها ا ه. ومثله في شرح المجمع لابن ملك وغرر الأذكار، وهو موجود في بعض نسخ الملتقى.
قلت: لكن يشكل عليه اتفاق المتون على ذكر معظم هذه الأوصاف، وتصريح الهداية بأن مهر المثل يختلف باختلاف هذه الأوصاف، وكذا يختلف باختلاف الدار والعصر ا ه. إذ لا شك أن الرغبة في البكر الشابة الجميلة الغنية أكثر من الثيب العجوز الشوهاء الفقيرة، وإن تساوتا في العقل والدين والعلم والأدب وغيرها من الأوصاف، فكيف يقدر مهر إحداهما بمهر الأخرى مع هذا التفاوت؟
وقولهم: لأنه يتعذر اجتماع هذه الأوصاف في امرأتين، مسلم لو التزمنا اعتبارها في قوم الأب فقط.
أما عند اعتبارها من الأجانب أيضا فلا، على أنه لو فرض عدم الوجود يكون القول للزوج كما ذكره المصنف بعد، وإن امتنع يرفع الامر للقاضي ليقدر لها مهرا على ما مر، لكن في البحر عن الصيرفية: مات في غربة وخلف زوجتين غريبتين تدعيان المهر ولا بينة لهما وليس لهما أخوات في الغربة، قال: يحكم بجمالهما بكم ينكح مثلهما؟ قيل له: يختلف بالبلدان، قال: إن وجد في بلدهما يسأل، وإلا فلا يعطى لهما شئ ا ه: أي لعدم إمكان الحلف بعد الموت، لكن فيه أن ورثة الزوج تقوم مقامه، فتأمل.
تنبيه: جرى العرف في كثير من قرى دمشق بتقدير المهر بمقدار معين لجميع نساء أهل القرية بلا تفاوت، فينبغي أن يكون ذلك عند السكوت عنه بمنزلة المذكور المسمى وقت العقد، لان المعروف مطلب في ضمان الولي المهر كالمشروط، وحينئذ فلا يسأل عن مهر المثل، والله أعلم قوله: (وصح ضمان الولي مهرها) أي سواء كان ولي الزوج أو الزوجة صغيرين كانا أو