أن القول لها: أي بدون تفصيل بشهادة الظاهر لان العادة دفع ذلك هبة. وما اختاره الامام السرخسي من أن القول للأب ذلك يستفاد من جهته ا ه. والظاهر أن القول المعتمد توفيق بين هذين القولين بجعل الخلاف لفظيا. قوله: (فالقول للأب) أي مع اليمين كما في فتاوى قارئ الهداية.
قلت: وينبغي تقييد القول للأب بما إذا كان الجهاز كله من ماله، أما لو جهزها بما قبضه من مهرها فلا، لأن الشراء وقع لها حيث كانت راضية وهو بمنزلة الاذن منها عرفا، نعم لو زاد على مهرها فالقول له في الزائد إن كان العرف مشتركا.
ثم اعلم أنه قال في الأشباه: إن العادة بما تعتبر إذا اطردت أو غلبت، ولذا قالوا في البيع:
لو باع بدراهم أو دنانير في بلد اختلف فيها النقود مع الاختلاف في المالية والرواج انصرف البيع إلى الأغلب. قال في الهداية: لأنه هو المتعارف فينصرف المطلق إليه ا ه كلام الأشباه.
مطلب في دعوى الأب أن الجهاز عارية قلت: ومقتضاه أن المراد من استمرار العرف هنا غلبته، ومن الاشتراك كثرة كل منهما، إذ لا نظر إلى النادر، ولان حمل الاستمرار على كل واحد من أفراد الناس في تلك البلدة لا يمكن، ويلزم عليه إحالة المسألة إذ لا شك في صدور العارية من بعض الافراد، والعادة الفاشية الغالبة في أشراف الناس وأوساطهم دفع ما زاد على المهر من الجهاز تمليكا، سوى ما يكون على الزوجة ليلة الزفاف من الحلي والثياب، فإن الكثير منه أو الأكثر عارية، فلو ماتت ليلة الزفاف لم يكن للرجل أن يدعي أنه لها، بل القول فيه للأب أو الام أنه عارية أو مستعار لها كما يعلم من قول الشارح، كما لو كان أكثر مما يجهز به مثلها، وقد يقال، هذا ليس من الجهاز عرفا، وبقي لو جرى العرف في تمليك البعض وإعارة البعض.
ورأيت في حاشية الأشباه للسيد محمد أبي السعود من حاشية الغزي قال الشيخ الامام الاجل الشهيد: المختار للفتوى أن يحكم بكون الجهاز ملكا لا عارية لأنه الظاهر الغالب إلا في بلدة جرت العادة بدفع الكل عارية فالقول للأب. وأما إذا جرت في البعض يكون الجهاز تركة يتعلق بها حق الورثة وهو الصحيح ا ه. ولعل وجهه أن البعض الذي يدعيه الأب بعينه عارية لم تشهد له به العادة، بخلاف ما لو جرت العادة بإعارة الكل فلا يتعلق به حق ورثتها بل يبكون كله للأب، والله تعالى أعلم.
تنبيه: ذكر البيري في شرح الأشباه أن ما ذكروه في مسألة الجهاز إنما هو فيما إذا كان النزاع من الأب. أما لو مات فادعت ورثته فلا خلاف في كون الجهاز للبنت لما في الولوالجية: جهز ابنته ثم مات فطلب بقية الورثة القسمة، فإن كان الأب اشترى لها في صغرها أو في كبرها وسلم لها في صحته فهو لها خاصة.
قلت: وفيه نظر لان كلام الولوالجية في ملك البنت له بالشراء لو صغيرة، وبالتسليم لو كبيرة. ولا فرق فيه بين موت الأب وحياته، ويدل عليه ما مر من قول المصنف، والشارح ليس له الاسترداد منها ولا لورثته بعده، وإنما الكلام في سماع دعوى العارية بعد الشراء أو التسليم