لما غلب استعماله في الطلاق لم يبق كناية، ولذا لم يتوقف على النية أو دلالة الحال، ولا شئ من الكناية يقع به الطلاق بلا نية أو دلالة الحال كمصرح به في البدائع. ويدل على ذلك ما ذكره الرازي عقب قوله في الجواب المار إن المتعارف به إيقاع البائن لا الرجعي، حيث قال ما نصه:
بخلاف فارسية قوله سرحتك وهو رهاء كردم لأنه صار صريحا في العرف على ما صرح به نجم الزاهدي الخوارزمي في شرح القدوري اه. وقد صرح البزازي أولا بأن: حلال الله علي حرام بالعربية أو الفارسية لا يحتاج إلى نية، حيث قال: ولو قال حلال أيزدبروي أو حلال الله عليه حرام لا حاجة إلى النية، وهو الصحيح المفتى به للعرف وأنه يقع به البائن لأنه المتعارف ثم فرق بينه وبين سرحتك، فإن سرحتك كناية لكنه في عرف الفرس غلب استعماله في الصريح، فإذا قال رها كردم أي سرحتك يقع به الرجعي مع أن أصله كناية أيضا، وما ذاك إلا لأنه غلب في عرف الناس استعماله في الطلاق، وقد مر أن الصريح ما لم يستعمل إلا في الطلاق من أي لغة كانت، لكن لما غلب استعمال حلال الله في البائن عند العرب والفرس وقع به البائن لولا ذلك لوقع به الرجعي.
والحاصل أن المتأخرين خالفوا المتقدمين في وقوع البائن بالحرام بلا نية حتى لا يصدق إذا قال: لم أنو لأجل العرف الحادث في زمان المتأخرين، فيتوقف الآن وقوع البائن به على وجود العرف كما في زمانهم. وأما إذا تعورف استعماله في مجرد الطلاق لا بقيد كونه بائنا يتعين وقوع الرجعي به كما في فارسية سرحتك، ومثله ما قدمناه في أول باب الصريح من وقوع الرجعي بقوله:
سن بوش أو بوش أو في لغة الترك مع أن معناه العربي أنت خلية، وهو كناية، لكنه غلب في لغة الترك استعماله في الطلاق، هذا ما ظهر لفهمي القاصر، ولم أر أحدا ذكره وهي مسألة مهمة كثيرة الوقوع، فتأمل. ثم ظهر لي بعد مدة ما عسى يصلح جوابا، وهو أن لفظ حرام معناه عدم حل لوطئ ودواعيه، وذلك يكون بالايلاء مع بقاء العقد وهو غير متعارف، ويكون بالطلاق الرافع للعقد، وهو قسمان: بائن، ورجعي، لكن الرجعي لا يحرم الوطئ فتعين البائن، وكونه التحق بالصريح للعرف لا ينافي وقوع البائن به، فإن الصريح قد يقع به البائن كتطليقة شديدة ونحوه، كما أن بعض الكنايات قد يقع به الرجعي، مثل اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة.
والحاصل أنه لما تعورف به الطلاق صار منعها تحريم الزوجة، وتحريمها لا يكون إلا بالبائن، هذا غاية ما ظهر لي في هذا المقام، وعليه فلا حاجة إلى ما أجاب به في البزازية من أن المتعارف به إيقاع البائن، لما علمت مما يرد عليه، والله سبحانه أعلم. قوله: (بائن) من بان الشئ: انفصل: أي منفصلة من وصلة النكاح أو عن الخير ح. قوله: (كبتة) من البت بمعنى القطع، فيحتمل ما احتمله البائن، وأوجب سيبويه فيه الألف واللام، وأجاز الفراء إسقاطهما، أو بتلة من البتل وهو الانقطاع، وبه سميت مريم لانقطاعها عن الرجال، وفاطمة الزهراء لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا، وقيل عن الدنيا إلى ربها، وفيه من الاحتمال ما مر. ح من النهر. قوله: (يصلح سبا) أي ويصلح جوابا أيضا ولا يصلح ردا ح. ومثله في النهر وابن الكمال والبدائع، خلافا لما يظهر من البحر من أنه يصلح للرد أيضا. قوله: (اعتدي) أمر بالاعتداد الذي هو من العدة أو من العد: أي اعتدي نعمي عليك. بدائع.
قوله: (واستبرئي) أمر بتعرف براءة الرحم وهي طهارتها من الماء، وأنه كناية عن الاعتداد الذي هو من