رد على ما ذكره بعضهم في واقعة حلب المذكورة آنفا من أنه لا يقع الثلاث، لأنه بائن في المعنى والبائن لا يلحق البائن، واعتبار المعنى أولى من اعتبار اللفظ، وجعله الأصح المفتى به. أفاده المصنف.
قلت: وفي الحاوي الزاهدي عازيا إلى الاسرار لنجم الدين قال لها أنت بائن، ثم قال في العدة أنت طالق ثلاثا، لا يقع الثلاث عند أبي حنيفة لكون الثلاث بينونة غليظة في المعنى.
وعندهما: يقع لكونها في اللفظ صريحا. والأصح قوله: لأن الاعتبار للمعنى دون اللفظ، ثم عزا إلى شرح العيون مثله، ثم عزا إلى كتاب آخر. قال محمد: لا يقع الثلاث، والفتوى على قوله. ثم قال : وفي فصول الاسروشني مثله اه. وقد تكفل برده المصنف في المنح، ونقله عنه في الشرنبلالية وأقره. وقد تكرر أن الزاهدي ينقل الروايات الضعيفة فلا يتابع فيما ينفرد به، وقد وجد النقل عن الخلاصة والبزازية وغيرهما بما يخالفه كما قدمناه. وقد استدل في الدرر واليعقوبية على خلافه أيضا كما نذكره قريبا، ويكفينا قدوة ما ذكره في فتح القدير وتابعه عليه من بعده كما قدمناه، فلذا اعتمده الشارح وجعله المشهور، ومما يدل عليه قطعا أنه لو طلقها ثم خلعها ثم قال في عدة الخلع أنت طالق فهذا صريح لفظا بائن معنى، وهو واقع قطعا: فقد استدلوا على لحوق الصريح البائن لقوله تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * (سورة البقرة: الآية 922) يعني الخلع، ثم قال تعالى: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد) * (سورة البقرة: الآية 032) الخ، والفاء للتعقيب. قال في الفتح: فهو نص على وقوع الثالثة بعد الخلع اه. ومثله في الدرر عن التلويح.
وفي حواشي الخير الرملي قال في مشتمل الاحكام: والبائن لا يلحق البائن: يعني البائن اللفظي، أما البائن المعنوي يلحق اللفظي مثل الثلاث من المبسوط اه. قوله: (لا يلحق البائن البائن) المراد بالبائن الذي لا يلحق هو ما كان بلفظ الكناية، لأنه هو الذي ليس ظاهرا في إنشاء الطلاق، كذا في الفتح. وقيد بقوله: الذي لا يلحق إشارة إلى أن البائن الموقع أولا أعم من كونه بلفظ الكناية أو بلفظ الصريح المفيد للبينونة كالطلاق على مال، وحينئذ فيكون المراد بالصريح في الجملة الثانية: أعني قولهم: والبائن يلحق الصريح لا البائن هو الصريح الرجعي فقط دون الصريح البائن، وبه ظهر أن ما نقله الشارح أولا عن الفتح من أن الصريح ما لا يحتاج إلى نية بائنا كان الواقع به أو رجعيا خاص بالصريح في الجملة الأولى: أعني قولهم الصريح يلحق الصريح والبائن كما دل عليه كلام الفتح الذي ذكرناه هنا، ويدل عليه أيضا أمور:
منها: ما أطبقوا عليه من تعليلهم عدم لحوق البائن البائن بإمكان جعل الثاني خبرا عن الأول، ولا يخفى أن ذلك شامل لما إذا كان البائن الأول بلفظ الكناية أو بلفظ الصريح.
ومنها: ما في الكافي للحاكم الشهيد الذي هو جمع كلام محمد في كتبه ظاهر الرواية حيث قال: وإذا طلقها تطليقة بائنة ثم قال لها في عدتها أنت علي حرام أو خلية أو برية أو بائن أو بتة أو شبه ذلك وهو يريد به الطلاق لم يقع عليها شئ، لأنه صادق في قوله هي علي حرام وهي مني بائن اه: أي لأنه يمكن جعل الثاني خبرا عن الأول، وظاهر قوله طلقها تطليقة بائنة أن المراد به الصريح البائن بقرينة مقابلته له بألفاظ الكناية. تأمل.
ومنها: قول الزيلعي: أما كون البائن يلحق الصريح فظاهر، لان القيد الحكمي باق من كل