هناك أيضا عن الذخيرة: لو قال لها ألف نون تاء طاء ألف لام قاف إن نوى الطلاق تطلق، لأن هذه الحروف يفهم منها ما هو المفهوم من الصريح إلا أنها لا تستعمل كذلك فصارت كالكناية في الافتقار إلى النية، فهذا يدل على أنه لو أراد باليمين الطلاق يصح، ويقع به رجعية إذا حنث.
وأما أيمان المسلمين فإنه جمع يمين، والإضافة إلى المسلمين قرينة على أنه أراد جميع أنواع الايمان التي يحلف بها المسلمون كاليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق المعلقين، وسيأتي لهذا زيادة بيان في كتاب الايمان إن شاء الله تعالى. قوله: (قضاء) قيد به لأنه يقع ديانة بدون النية، ولو وجدت دلالة الحال فوقوعه بواحد من النية أو دلالة الحال إنما هو في القضاء فقط كما هو صريح البحر وغيره. قوله: (أو دلالة الحال) المراد بها الحالة الظاهرة المفيدة لمقصوده ومنها تقدم ذكر الطلاق. بحر عن المحيط، ومقتضى إطلاقه هنا كالكنز أن الكنايات كلها يقع بها الطلاق بدلالة الحال. قال في البحر: وقد تبع في ذلك القدوري والسرخسي في المبسوط، وخالفهما فخر الاسلام وغيره من المشايخ فقالوا: بعضها لا يقع بها إلا بالنية اه. وأراد بهذا البعض ما يحتمل الرد كإخرجي واذهبي وقومي، لكن المصنف وافق المشايخ في التفصيل الآتي، فبقي الاعتراض على عبارة الكنز. وأجاب عنه في النهر بما ذكره ابن كمال باشا في إيضاح الاصلاح بأن صلاحية هذه الصور للرد كانت معارضة لحال مذاكرة الطلاق فلم يبق الرد دليلا، فكانت الصورة المذكورة خالية عن دلالة الحال ولذلك توقف فيها على النية اه. قوله: (وهي حالة مذاكرة الطلاق) أشار به إلى ما في النهر من أن دلالة الحال تعم دلالة المقال. قال: وعلى هذا فتفسر المذاكرة بسؤال الطلاق أو تقديم الايقاع كما في اعتدي ثلاثا. وقال قبله: المذاكرة أن تسأله هي أو أجنبي الطلاق. قوله: (أو الغضب) ظاهره أنه معطوف على مذاكرة فيكون من دلالة الحال. قوله: (فالحالات ثلاث) لما كان الغضب يقابله الرضا فهو مفهوم منه صح التفريع.
وفي الفتح: واعلم أن حقيقة التقسيم في الأحوال قسمان: حالة الرضا، وحالة الغضب. وأما حالة المذاكرة فتصدق مع كل منهما، بل لا يتصور سؤالها الطلاق إلا في إحدى الحالتين لأنهما ضدان لا واسطة بينهما.
قال في البحر بعد نقله: وبه علم أن الأحوال ثلاثة: حالة مطلقة عن قيدي الغضب والمذاكرة، وحالة المذاكرة، وحالة الغضب اه.
وفي النهر: وعندي أن الأولى هو الاقتصار على حالة الغضب والمذاكرة، إذ الكلام في الأحوال التي تؤثر فيها الدلالة مطلقا. ثم رأيته في البدائع بعد أن قسم الأحوال ثلاثة قال: ففي حالة الرضا يدين في القضاء وإن كان في حالة مذاكرة الطلاق أو الغضب، فقد قالوا: إن الكنايات أقسام ثلاثة الخ. وهذا هو التحقيق اه. قوله: (والكنايات ثلاث الخ) حاصله أنها كلها تصلح للجواب:
أي إجابته لها في سؤالها الطلاق منه، لكن منها قسم يحتمل الرد أيضا: أي عدم إجابة سؤالها، كأنه قال لها لا تطلبي الطلاق فإني لا أفعله، وقسم يحتمل السب والشتم لها دون الرد، وقسم لا يحتمل الرد ولا السب بل يتمحض للجواب كما يعلم من القهستاني وابن الكمال، ولذا عبر بلفظ يحتمل.
وفي أبي السعود عن الحموي أن الاحتمال إنما يكون بين شيئين يصدق بهما اللفظ الواحد