رضي الله عنه فإنه أتى يوما بقدح تندت بعسل وبرد له فقربه إلى فيه ثم رده وأمر بالتصدق به على الفقراء وقال أرجو أن لا أكون من الذين يقال لهم أذهبتم طيباتكم الآية ففي هذا دليل أن تناول ذلك مباح لأنه قربه إلى فيه وفيه دليل أن الامتناع منه أفضل والثاني حديث عمر رضي الله عنه فإنه اشتري جارية وأمر بها فزينت له وأدخلت عليه فلما رآها بكى وقال أرجوا لا أكون من الذين يتوصلون إلى جميع شهواتهم في الدنيا ثم دعا شابا من الأنصار لم يكن تحته امرأة فأهداها له وتلا قوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم الآية ولان أفضل مناهج الدين طريق المرسلين عليهم السلام وقد كان طريقهم الاكتفاء بما دون هذا في عامة الأوقات وكذا نبينا عليه السلام ربما أصاب في بعض الأوقات من ذلك على ما روى أنه قال لأصحابه رضي الله عنهم ليت لنا ملتوتا نأكله فجاء به عثمان رضي الله عنه في قصعة فقيل إنه أصاب منه وقيل لم يصب وأمر بالتصدق به ثم فيما تقدم من تناول الخبز إلى الشبع لا حساب عليه سوى العرض على ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال صلى الله عليه وسلم ذاك العرض يا بنت أبي بكر اما علمت أن من نوقش الحساب عذب ومعنى المرض بيان المنة وتذكير النعمة والسؤال أنه هل قام بشكرها وقيل في تأويل قوله تعالى واما من أوتى كتابه بيمينه الآية انه العرض بمثل هذا واما في اقتضاء الشهوات من الحلال وتناول اللذات فهو محاسب على ذلك غير معاقب عليه وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في صفة الدنيا حلالها حساب وحرامها عقاب والدليل على أن الاكتفاء بما دون ذلك أفضل حديث الضحاك رضي الله عنه فإنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدا من قومه وكان متنعما فيهم قال صلى الله عليه وسلم ما طعامك يا ضحاك قال اللحم والعسل والزيت ولب الخبز قال ثم تصير إلى ماذا فقال أصير إلى ما يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى ضرب للدنيا مثلا بما يخرج من ابن آدم ثم قال له إياك ان تأكل فوق الشبع فقد بين له النبي صلى الله عليه وسلم ان طعامه وإن كان لذيذا طيبا في الابتداء فإنه يصير إلى الخبث والنتن في الانتهاء فهو مثل الدنيا وفى هذا بيان أن الاكتفاء بما دون ذلك أفضل وفى حديث الأحنف بن قيس رضي الله عنه أنه كان عند عمر رضى الله فاتى بقصعة فيها خبز شعير وزيت فجعل عمر رضي الله عنه يأكل من ذلك ويدعو الأحنف إلي أكله وكأن لا يسعه ذلك
(٢٧٧)