أفيؤجر على ذلك قال أرأيت لو وضعها في غير حله أما كان يعاقب علي ذلك وبمثله نستدل هنا فنقول لو ترك الأكل في موضع كان فرضا عليه كان معاقبا عليه وعلى ذلك فإذا أكل كان مثابا عليه وقال صلى الله عليه وسلم أفضل دينار المرء دينار ينفقه على نفسه فإذا كان هو مثابا فيما ينفقه على غيره ففيما ينفقه على نفسه أولى قال ولا يكون محسنا ولا مسيئا في ذلك ولا معاتبا ولا معاقبا لأنه مثاب على ذلك كما هو مثاب على إقامة العبادات فكيف يكون معاتبا عليه أو محاسبا والأصل فيه حديثان أحدهما حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أكلة أكلتها معك في بيت أبى الهيثم بن التيهان من لحم وخبز شعير هو من النعم التي نسأل عنها يوم القيامة وتلا قوله تعالى ثم لتسألن يومئذ عن النعيم فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إنما ذلك للكفار اما علمت أن المؤمن لا يسأل عن ثلاث قال وما هي يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم ما يوارى سوأته وما يقيم به صلبه وما يكن من الحر والبرد ثم هو مسؤول بعد ذلك عن كل نعمة والثاني حديث عمر رضي الله عنه فإنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضيافة رجل فأتى بعذق فيه تمر وبسر ورطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسألن عن هذا يوم القيامة فأخذ عمر رضي الله عنه العذق وجعل ينفضه حتى تناثر علي الأرض ويقول أو نسأل عن هذا قال صلى الله عليه وسلم أي والله لتسألن عن كل نعمة حتى الشربة من الماء البارد إلا عن ثلاث كسرة تقيم بها صلبك أو خرقة توارى بها سوأتك أو كن يكنك من الحر قال في الكتاب وهذا قول عمر وعثمان وعلى وابن عباس رضي الله عنهم ان المرء لا يحاسب على هذا المقدار وكفى باجماعهم حجة فمن زجى عمره بهذا وكان قانعا راضيا دخل الجنة بغير حساب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من هدي بالاسلام وقنع بما آتاه الله تعالى دخل الجنة بغير حساب وقيل في تأويل قوله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب أن المصلح الذي يصير على هذا المقدار الذي لا بد منه ثم بعده التناول إلى مقدار الشبع مباح على الاطلاق لقوله تعالى قل من حرم زينة الله الآية فعرفنا أن ذلك القدر ليس بمحرم فإذا لم يكن محرما فهو مباح على الاطلاق وكذلك أكل الخبيص والفواكه وأنواع الحلاوات من السكر وغير ذلك مباح ولكنه دون ما تقدم حتى أن الامتناع منه والاكتفاء بما دونه أفضل له فكان تناول هذه النعم رخصة والامتناع منها عزيمة فذلك أفضل لحديثين رويا في الباب أحدهما حديث الصديق
(٢٧٦)