الثاني: أطلق المصنف رحمه الله في منعه من السفر إذا حل بغيبته وهو مقيد بأن لا يوكل وكيلا بوفاء الحق، فإن وكل فلا منع. هذا الذي عليه أهل المذهب كابن شاس ونصه:
وليس لمن له دين مؤجل منعه من السفر ولا طلب كفيل والاشهاد إلا أن يحل في غيبته فليوكل من يقبضه عند استحقاقه اه. وكذلك ابن الحاجب ومشى عليه في التوضيح. لكن قال ابن عبد السلام: ظاهر المدونة أنه يمنع من السفر البعيد ولا يقبل منه الوكيل. فقال ابن غازي: لعل المؤلف لم يقيد المسألة هنا بعدم التوكيل اعتمادا على ما نسبه ابن عبد السلام لظاهر المدونة على أنه أضرب عن نقل هذا الاستظهار في التوضيح اه. وما قاله ليس بظاهر فإن أهل المذهب كلهم مصرحون بهذا التقييد.
الثالث: فإذا وكل فهل له عزل وكيله؟ ابن عبد السلام: تردد. واختار بعض المحققين أن له عزله إلى بدل لا مطلقا. وأصل المذهب أنه إذا تعلق بالوكالة حق لاحد الغريمين إلا أن يكون له العزل اه.
الرابع: يفهم من كلام المؤلف بالأحروية لصاحب الدين أن يمنع المدين من السفر إذا كان الدين حالا حتى يقبضه وهو كذلك والله أعلم.
الخامس: مفهوم قوله: حل بغيبته إذا كان لا يحل بغيبته فإنه ليس له منعه من السفر ولا تحليفه. ونص في سماع عيسى من كتاب الكفالة أنه يحلفه أنه لم يرد الفرار من الحق الذي عليه وأنه ينوي الرجوع عند الاجل لقضاء الحق الذي عليه. ابن يونس: وقال بعض أصحابنا: إنما يحلف المتهم. وجعل الشيخ أبو الحسن هذا تقييدا للمدونة، وكذلك الشيخ أبو محمد. قال في مختصره بعد أن ذكر لفظ المدونة: يريد ويحلف. نقله المشذالي عنه وجعله صاحب الشامل المذهب ونصه: ولذي الدين منع المديان من سفر يحل فيه إلا أن يوكل من يوفيه لا إن كان يحل بعده وحلف أنه لم يرد به فرارا وأن نيته العود لقضائه عند الاجل. وقيل: إن اتهم وإلا فلا اه. وكذلك اللخمي ذكر هذا على أنه المذهب ونصه في السلم الثالث: ومن كان عليه دين إلى أجل فأراد السفر قبل حلوله لم يمنع إذا بقي من الاجل قدر سيره ورجوعه وكان مما لا يخشى لدده ومقامه، وإن خشي ذلك منه وكان معروفا باللدد منع إلا أن يأتي بحميل. وإن كان موسرا أو له عقار كان بالخيار بين أن يعطي حميلا بالقضاء أو وكيلا بالبيع ويكون النداء قبل الاجل بمقدار ما يرى أنه يكمل الاشهاد عند محل الاجل، وإن أشكل أمره هل يريد بسفره تغييبا أم لا، حلف أنه ما يسافر فرارا وأنه لا يتأخر عن العودة لمحل الاجل وترك اه. وهو كلام حسن ونقله عنه الشيخ بدر الدين بن جماعة الشافعي في منسكه الكبير. ومعنى قوله: ويكون النداء الخ فيما يظهر أنه إذ وكل على البيع يكون ابتداء بيعه وندائه على العقار بمقدار ما يرى الخ.