مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٨٧
غيره لم يقتصر على التيمم ويتوضأ به ويتيمم لكنه بنى ذلك على أنه إذا كانت أجزاء المخالط أقل من الماء ففيه قولان، وذكر ما تقدم عنه وعن ابن رشد. وقد تقدم عن صاحب الطراز أنه رد عليه ذلك قال: وإنما تردد فيه مالك لاشتباه أمر هل يمكن الاحتراز منه أم لا؟ وهكذا قال في المنتقى فإنه لما ذكر رواية المجموعة قال: ومعنى ذلك له أنه مما لا ينفك الماء عنه غالبا ولا يمكن منعه منه انتهى. واختصر ذلك ابن عرفة فقال: وروى ابن غانم فيما تغير لونه وطعمه ببول ماشية تردد وروثها لا يعجبني الوضوء به ولا أحرمه. الباجي: لأنها لا تنفك عنه غالبا.
اللخمي: لأنه كثير تغير بطاهر قليل وجعل في سلب طهوريته وطهارته قولين وتبعه ابن رشد انتهى.
قلت: إلا أن كلامه يوهم أن اللخمي وابن رشد ذكرا القولين من غير ترجيح، وقد سبق كلامهما في ذلك فانظر آفة الاختصار. فتحصل من هذا أن المعروف في مسألة الغدير سلب الطهورية سواء كان التغير بينا أم لا؟ على ما نقله اللخمي وقبله المصنف في التوضيح، وأما مسألة البئر تتغير بورق الشجر والتبن الذي ألقته الريح فيها فذكر المصنف فيها قولين: الأول منهما أن التغير البين يضر ومفهومه أن غير البين لا يضر، والثاني وعزاه لابن رشد أن التغير بهما أي بورق الشجر والتبن لا يضر في بئر البادية وظاهره سواء كان التغير بينا أو غير بين، مفهومه أن ذلك يضر في بئر الحاضرة، بينا كان أو غير بين، هذا جل كلامه رحمه الله. والذي ذكره ابن رشد في نوازله أنه قال: سئلت عن آبار الصحارى التي تدعو الضرورة إلى طيها بالخشب لعدم ما تطوى به سوى ذلك فيتغير لون الماء وريحه وطعمه من ذلك هل يجوز الغسل والوضوء به؟ فأجبت بأن ذلك جائز. ثم سئلت سنة خمس عشرة وخمسمائة عن الدليل على صحة ما أجبت به لمخالفة من خالف فيه فذكر احتجاجه في ذلك وأطال بما حاصله أن آبار الصحارى لما كانت لا يستغنى فيها عن الخشب والعشب اللذين تدعو الضرورة إلى طيها بهما، صار ذلك كتغير الماء بما لا ينفك عنه من الطحلب والحمأة ونحوهما. ثم قال في آخر كلامه: فكيف يصح لقائل أن يقول: إن الوضوء والغسل لا يصح بذلك؟ هذا بعيد كنحو ما روي عن بعض المتأخرين أن الماء المتغير في الأودية والغدران بما يسقط فيه من أوراق الشجر النابتة عليه والتي جلبتها الريح إليه لا يجوز الوضوء ولا الغسل به، وهذا من الشذوذ الخارج عن أصل مذهب مالك في المياه، فلا ينبغي أن يلتفت إليه ولا يعول عليه انتهى. ولعله أراد ببعض المتأخرين الأبياني، فقد قال الباجي في المنتقى ما نصه: وأما إذا سقط ورق الشجر أو الحشيش في الماء فتغير، فإن مذهب شيوخنا العراقيين أنه لا يمنع الوضوء به. وقال أبو العباس الأبياني: لا يجوز الوضوء به. وجه القول الأول أنه مما لا ينفك الماء عنه غالبا ولا يمكن التحفظ منه ويشق ترك استعماله كالطحلب انتهى. وذكر اللخمي عن السليمانية في البئر يقع فيها سعف النخل وورق الزيتون والتبن فيتغير لون الماء أنه قال: لا يتغير لونه إلا وقد تغير طعمه
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»
الفهرست