خلافا لأبي حنيفة، ووجهه ما رواه مالك عن عائشة رضي الله عنها أنه (ص) دخل عليها وقد سخنت ماء في الشمس فقال: لا تفعلي هذا يا حميراء فإنه يورث البرص ونحوه عن عمر انتهى. وصدر صاحب الذخيرة بكلام صاحب الطراز ثم قال بعده قال عبد الحق: لم يصح فيه حديث. وقال الغزالي: يخرج من الاناء مثل الهباء بسبب التشميس في النحاس والرصاص فيعلق بالأجسام فيورث البرص ولا يكون ذلك في الذهب والفضة لصفائهما. وقال ابن الحاجب: والمسخن بالنار والمشمس كغيره انتهى كلام الذخيرة. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: نقل ابن العربي في أحكام القرآن أن كراهة المسخن بالشمس عن مالك ثم ذكر الحديث السابق ثم قال: وهو حديث موضوع نبه على ذلك عبد الحق وابن دقيق العيد، وإنما هو من كلام عمر رضي الله عنه. وقال ابن الإمام في شرح ابن الحاجب: وينبغي كراهة استعمال المشمس قاله ابن شعبان، وهو ظاهر كلام المؤلف يعني ابن الحاجب وبكراهة استعماله لو شمس في أواني الصفر في البلاد الحارة لما يحدث من البرص. قاله ابن العربي في مسالكه، وأطلق القاضي عياض في قواعده القول بكراهة الوضوء منه ويجب تقييده بما تقدم ثم قال:
والحق أن التجربة إن قضت بضرر استعماله فالقول بالكراهة ظاهر، وإن لم يصح ما روي لما علم شرعا من طلب الكف عما يضر عاجلا ولم يلزم بما قيل تحريم استعماله لان ما لا يستلزم الضرر نادرا لا يحرم الاقدام عليه لغلبة السلامة بخلاف ما استلزمه غالبا فإن الاقدام عليه ممتنع، لان الشرع أقام الظن مقام العلم في أكثر الاحكام انتهى.
قلت: وما ذكره ابن فرحون من كون الحديث موضوعا قاله بعضهم والأكثر على أنه حديث ضعيف. وفي كلام عبد الحق الذي نقله القرافي أعني قوله: لم يصح فيه حديث إشارة إلى ذلك. قال النووي في شرح المهذب: لما ذكر الحديث المذكور هذا الحديث ضعيف باتفاق المحدثين، وقد رواه البيهقي من طرق وبين ضعفها كلها، ومنهم من يجعله موضوعا، وروى الشافعي في الام بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس وقال: إنه يورث البرص. وهذا ضعيف أيضا باتفاق المحدثين فتحصل من هذا أن المشمس لا أصل لكراهته ولم يثبت عن الأطباء فيه شئ فالصواب الجزم بأنه لا كراهة فيه انتهى.
قلت: وقد جزم النووي في منهاجه بكراهة المشمس. قال الشافعية: وقوله لم يثبت عن الأطباء فيه شئ ليس كذلك فقد قال ابن النفيس في شرح التنبيه: إن مقتضى الطب كونه يورث البرص. قال ابن أبي شريف: وهو عمدة في ذلك انتهى. وقال بعض الشافعية: يكره في البلاد الحارة في الأواني المنطبعة وهي المطرقة، ثم اختلفوا فقيل: جميع ما يطرق، وقيل كل ما يطرق إلا الذهب والفضة لصفائهما، وقيل: إنها من النحاس خاصة. والحاصل أن القول بكراهة المشمس قوي فإن القول بنفي الكراهة لم أره إلا في كلام ابن الحاجب ومن تبعه،