فرع ما حكمنا بتحريمه في هذه المسائل، كالنرد وسماع الأوتار، ولبس الحرير، والجلوس عليه ونحوها، هل هو من الكبائر فترد الشهادة بمرة أم من الصغائر، فيعتبر المداومة والاكثار؟ وجهان يميل كلام الامام إلى أولهما، والأصح الثاني، وهو المذكور في التهذيب وغيره، وزاد الامام، فقال: ينظر إلى عادة البلد والقطر، فحيث يستعظمون النرد وسماع الأوتار ترد الشهادة بمرة واحدة، لان الاقدام في مثل تلك الناحية لا يكون إلا من جسور منحل عن ربقة المروءة، فتسقط الثقة بقوله، وحيث لا يستعظمونه لا يكون مطلق الاقدام مشعرا بترك المبالاة، وسقوط المروءة، وحينئذ يقع النظر في أنه صغيرة أم كبيرة.
فرع الخمر العينية لم يشبها ماء ولا طبخت بنار محرمة بالاجماع، ومن شربها عامدا عالما بحالها، حد وردت شهادته، سواء شرب قدرا يسكره أم لا، قال أصحابنا العراقيون: وكذا حكم بائعها ومشتريها في رد شهادتهما، ولا ترد الشهادة بإمساكها، لأنه قد يجوز أن يقصد به التخلل أو التخليل، وأما المطبوخ من عصير العنب المختلف في تحريمه، وسائر الأنبذة، فإن شرب منها القدر المسكر، حد وردت شهادته، وإن شرب قليلا وهو يعتقد إباحته كالحنفي، ففيه أوجه، الأصح المنصوص: يحد، ولا ترد شهادته، والثاني: ترد ويحد، والثالث: لا ترد ولا يحد، واحتج الأصحاب للأصح بأن الحد إلى الامام، فاعتبر اعتقاده، والشهادة تعتمد اعتقاد الشاهد، ولهذا لو غصب جارية ووطئها معتقدا أنه يزني بها، فبان أنها ملكه، فسق وردت شهادته، ولو وطئ جارية غيره يعتقدها جاريته، لم ترد شهادته، ولان الحد للزجر، والنبيذ يحتاج إلى زجر، ورد الشهادة لسقوط الثقة بقوله، ولا يوجد ذلك إذا لم يعتقد التحريم، وأما إذا شربه من يعتقد تحريمه، فالمذهب أنه يحد، وترد شهادته، وعن القفال أن من نكح بلا ولي ووطئ، لا ترد شهادته إن اعتقد الحل، وترد إن اعتقد التحريم، وعلى هذا قياس سائر المجتهدات، ولكن عن نص الشافعي رحمه الله أنه لا ترد شهادة مستحل نكاح المتعة والمفتي به والعامل به ونقل القاضي أبو الفياض مثله.